سام الغُباري
قالها نايف الحجرف، أمين مجلس التعاون الخليجي قبل بدء مشاورات الرياض بأسابيع، ويكررها اليوم لكل اليمانيين: تعالوا إلى كلمة سواء بينكم.
من أجل ذلك، كتب اليمانيون سجل حضورهم في أرض الرياض، مُلبين نداء الأشقاء الخليجيين، ومهللين باسم اليمن أولًا، فراغ الحوثي عن الصف، وتصلف، وأثبت للمرة الألف أنه عدو مثل إبليس الذي أشهر نزعته العنصرية في وجه الله وملائكته وخلقه قائلًا: أنا خير منه!
كان آدم مخلوقًا جديدًا، اعتمد على الكفاءة في أول اختبار إلهي، فحمل بنجاحه تفويضًا لخلافة الله على الأرض، وحظي إبليس بالخلود حتى النفحة الأولى، ثم نهايته في نار جهنم مع من اتبعه من المتكبرين أمثاله.
هذه مقابل تلك، وقد قلنا: لا أحد خير من أحد، فالسلام يستحق كل ما يُبذل لأجله، بلا مقابل، إلى أن يعرف الحوثي أنه لن يحكم اليمن متكئًا على أسلحة إيران، وما فعله في الماضي ويفعله اليوم، أضحى هزيمًا منبثًا، وسيبدو كذلك حتى يستريح من شططه وغلوه، وتقليده البائس لزعيم الإرهاب الأول في المنطقة السفاح: حسن نصر الله.
بدت الرؤوس منذ الأمس تتوالى على عاصمة القرار العربي، مشرئبة متفائلة، واحتضن مجلس التعاون الخليجي في بهو فسيح بدايات الافتتاح والكلمات المكررة، ومررنا مجاميع، وأفرادًا بغرف متنوعة، عليها سيدات وسادة كأنهم الدر في نثرهم وشروحهم، تعلوهم ابتسامة رائقة، قُدّت من ضمير بريء، وتواضع مُحبّب، يشرحون لنا جهودهم التاريخية والحالية في أعمالهم الإنسانية والتنموية بالداخل اليمني.
وكنا نصغي من قريب، ونصيخ السمع من بعيد، وبتنا معًا في بيت الخليج الواحد، حيث فُتِح الباب الكبير، وتدفق اليمانيون مثل نهر صافٍ إلى ينبوع العروبة، وعلى أثير السلام الجمهوري، عزف الحضور سيمفونية مطمئنة لتفاهم مبدئي مُشجّع، فكان ابن الساحل الغربي يعانق بطلًا من مأرب، وأعضاء الأحزاب متحلقين حول طاولة واحدة، والإعلاميون في مسار التواصل الجاد، وهُم كثر من أساتذة كبار، وأسماء لامعة لا تُخفى على أحد.
جهود خليجية مضنية، ووصل للصباح بالمساء، والشمس لم تعد تجري لمستقرها، والبدر في اشتعاله يناغم الضوء بلذة عاشق وضّاء، كأن الزمن توقف، ولم يعد أحد يتحدث أو يتحرك سوى اليمانيين، لأصواتهم صداها، وحشودهم تُغني عن الجمع، متراصين، متلهفين لصناعة سلام أصيل، إن لم يكن مع الحوثي، فسلام روحاني بينهم، وتأكيد على التباحث والتشاور في أمر بلادهم التي طحنتها الجريمة العنصرية.
حضر أقيال اليمن، وتخلّف المخالف، وشاءت الأقدار أن يكونوا معًا على أرض الرسالات، فيمضوا كتفًا بكتف، ويدًا بيد كبنيان مرصوص، لا تسمع عنهم لاغية، قوم أحبهم الله، واختارهم الناس ليكونوا شهداء على من يقامر في دماء الأبرياء.
ولم يُغلق باب الشورى في وجه أحد، فالحديث عن السلام شائق، والرجال وحدهم من يتخذون قرارهم بأيديهم، فلا ينازعهم عليه الفرس، ولا يقبلوا أن تذوي عنهم عزتهم، وكما حملنا السلاح نذود عن مدننا من هجمة تتار إيران، فما يزال القلم وما يسطرون، يحفر في الوعي لغة المشاركة، والبناء على كل ما سبق، وتعديل المضطر إلى سواء حتى يخفي سوءته، وتُنضِج الأيام بيانًا وأدبيات خاصة بهذا العقد الفريد على أعناقنا وأعناق الخليجيين جمعاء.
وإلى لقاء يتجدد.
** **
- كاتب وصحافي من اليمن