د. محمد بن إبراهيم الملحم
دواعي اللجوء إلى التعليم المنزلي متعددة وأبرزها معرفة الوالدين بأبنائهم أكثر من المعلم وإدراكهم لنقاط قوته ونقاط ضعفه وتمكنهم من التعامل معه بما يتسق مع هذه النقاط ويجعل التعلم عملية ميسرة ونشطة، كما أنهم يستطيعون تقديم تعليم مركز لأطفالهم لا يشبه ما يقدمه المعلم لعدد كبير من الأطفال في نفس الوقت، كذلك فإن الوالدين يهتمان في تعليمهم بإعداد الطفل للحياة خارج المدرسة وهو ما لا يمكن أن يفعله المعلم، ولا ننسى أن بعض الطلاب يمكن أن يتعلموا في البيت أفضل مما يتعلموه في المدرسة، حيث تنتفي سلبيات المدرسة مثل إحباط الطفل أحيانا بسبب تصرفات بعض المعلمين والتحديات الصعبة التي تفرضها واجبات المدرسة واختباراتها والمقارنات التي يتعرض لها الطلاب، بل إن بعض الوالدين يلجأ إلى التعليم المنزلي لما تسببه ظروف مدرسة الحي الذي يسكنونه من تنمر على أطفالهم أو إيذاء جسدي حقيقي أو معنوي أو عنصري، كذلك يلجأ إليه كثير ممن لديهم أطفال احتياجات خاصة، وهناك أيضا فئة تلجأ إليه لتجنب الطفل ما تفرضه عليه المدرسة من مفاهيم دينية أو عادات مخالفة لما تربى عليه في بيئته (خاصة للعائلات المتغربة عن أوطانها) فيمثل خيار التعليم المنزلي حلا لهذه المشكلات، وعموما نلاحظ أن العامل المشترك بين كل هذه الأسباب هو الحفاظ على الطفل من مؤثرات سلبية ناتجه من التحاقه بالمدرسة، ولا شك أن طائفة كبيرة جدا من الأسر حول العالم تتلافى هذه السلبيات كلها أو أغليها من خلال إلحاق أبنائها بمدارس خاصة متميزة توفر البيئة الآمنة والتدريس المتميز بل الرعاية التفردية للطالب أحيانا، ولكن هذا الحل لا تتمكن منه إلا الأسر المقتدرة ماليا ليبقى التعليم المنزلي هو الحل الأمثل والذي إذا ما توفر بكل شروطه ومتطلباته الجوهرية فإنه يتجاوز كثيرا في جودته وأثره الإيجابي ما تقدمه أفضل المدارس الأهلية.
لا بد أن نشير إلى مسألة قانونية التعليم المنزلي، والتي تنشأ من مبدأ أن التعليم إلزامي في كثير من الدول مما قسم الدول بشأن التعليم المنزلي إلى قسمين الأول الدول التي تجيز هذا النوع من التعليم وقد وضعت له قوانين منظمة لتضمن «إلزامية» التعليم والإشراف على ما يحدث في المنزل من تعليم لهؤلاء المواطنين الصغار وحفظ حقهم الإنساني في تلقي تعليم لا يقل عما تقدمه لهم الدولة، والثاني الدول التي لم تجز التعليم المنزلي ولم تضع له قوانين للإشراف والتحقق واكتفت باعتباره ممنوع قانونيا وترى الاكتفاء بما تقدمه الدولة من تعليم سواء كان حكوميا أو خاصا تشرف هي عليه ومن الدول التي قننت التعليم المنزلي ونظمته وسمحت به أمريكا وكندا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأستراليا والدنمارك وأستونيا وفنلندا والهند وإندونيسيا وتايلند ومن أمثلة الدول التي لم تسمح به بل تعده مخالفة قانونية ألمانيا والسويد واليونان وهنغاريا وهولندا وتركيا وسيراليون وهناك فئة ثالثة وهي الدول التي لم تضع للتعليم المنزلي أية قوانين تنظمه وتشرف عليه، بل هي لم تعترف به في مفرداتها أصلا، لكنها لم تصدر ما يمنعه صراحة وربما أن ذلك يعود لكون التعليم ليس إلزاميا فيها أصلا وبالتالي فلا توجد مؤاخذة على عدم إلحاق الطفل بالمدرسة وهو حال أغلب الدول النامية ومن ضمنها الدول العربية، وفي كوريا الجنوبية مثلا هو غير مسموح لكن لأن القانون الذي يمنعه غير واضح وصريح فإنه يتم تطبيقه في أرض الواقع، بيد أن الوالدين في كل هذه الفئة من الدول يقعون في مشكلة الشهادة فيلجأ بعضهم إلى تسجيل أبنائهم في مدرسة حكومية بشكل صوري بما يوفر له إمكانية حضور الاختبارات بينما التدريس يتم في المنزل.
** **
- مدير عام تعليم سابقا