مها محمد الشريف
الأمر اليوم ينطوي على أهمية خاصة بالنسبة لروسيا؛ ويمكن التعرف إلى الطريقة التي تلوّح بها روسيا للعالم ببيع النفط الروسي بالروبل يهدد عرش الدولار الأميركي ويغير المسارات الاقتصادية، فهل هذا الواقع لخلق فضاءات استعراضية؟، أم أنه لا يوجد ما هو استثنائي فيه إذا قلنا، إن الاقتصاد ليس عقلانياً، فالأزمة الروسية الأوكرانية واجهة عامة لمزيج محيّر بين بُعدين سياسي واقتصادي، فالاقتصاد الروسي يحتاج إلى إمدادات من العملات الأجنبية من أجل سداد قيمة الواردات والطاقة.
وذلك الأمر يؤخذ من استنتاجات خبراء اقتصاديين أن هذه الخطوة تهدف على ما يبدو إلى محاولة دعم الروبل الذي انهار مقابل العملات الأخرى منذ 24 شباط، نتيجة فرض الدول الغربية عقوبات بعيدة المدى على موسكو، فمن الطبيعي لهذه الخطوات أن تتسبب بقدر كبير من الذعر والهلع في أوروبا، وهذا ما أفضى أيضًا إلى ضربة استباقية وقائية بمزيد من العقوبات من الولايات المتحدة، وتسلط الضوء على أهمية النفط كمادة سلعية بأنه لا يساوي شيئاً إذا لم يدخل السوق العالمية.
من هنا، تباينت ردود فعل الدول الأوروبية على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالحرب اليوم بين الشرق والغرب ونتج عنها فراغات أمنية كبيرة، فالجميع فيها أعداء والوسائل المتبادلة بينهم تستهدف تدمير الاقتصاد بدرجة أولى، وروسيا تمتلك رقمًا ضخمًا من احتياطيات النفط في العالم، حيث تصل احتياطيات النفط مدة تكفي لمدة 30 عامًا على الأقل، أما احتياطيات الغاز فتكفي لمدة 50 عامًا، وأيضاً تمتلك روسيا احتياطيات ضخمة من الغاز، لذلك لن تكون العقوبات عليها أكثر ضرراً من الغرب.
كل شيء حول العالم صاخب ومتدفق ويتوق ليأخذ مركز متقدم يفرض ما يريده بالقوة، فالهدف الروسي هو إقناع الآخرين وحملهم على تبني هذا القرار الاقتصادي بشكل عام والأخذ به بعين الاعتبار، فهل القوة الغربية تحت الضغط اليوم؟، مما يتوجب قوله حول العوامل الممكنة الكامنة وراء إقرار بوتين وهو أمر يتسم بأهمية حاسمة، لأن الشركات الروسية وقعت اتفاقية لتنفيذ أعمال التصميم والمسح كجزء من بناء خط أنابيب الغاز الذي سيمتدّ من روسيا إلى الصين عبر منغوليا.
والكمّية تعادل حجم الغاز الطبيعي الذي تضخه روسيا إلى ألمانيا، أي نحو 50 مليار متر مكعّب من الغاز سنوياً، وهذا المشروع سيسمح بإمداد ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى الصين، فقد عادت الأحداث تستنطق التاريخ على نحو يشجع على الانتقام والكراهية والخوف من المستقبل، وأخذت روسيا ذلك كله في الحسبان ووضعت قواعد لشركة «سويوز فوستوك» في منغوليا لاستمرار مد خط أنابيب الغاز الروسي، وهذه الخطوة تأتي بعد طرد البنوك الروسية الكبرى من نظام «سويفت» (SWIFT) للمراسلات المالية العالمية بين البنوك، واستُهدف بنكها المركزي.
فالتحديات التي واجهتها روسيا بتوسع الناتو منذ العام 2014 كانت بمثابة خطيئة مأساوية لهم، لم ينته النزاع من ذلك التاريخ حتى وضعت روسيا الصين مكان أوروبا وأميركا بالنسبة فيما يتعلق بسوق الغاز ونظام سويفت، فهذا خيار واحد لأنّه الوحيد المتاح وخيار موسكو الآن الذهاب شرقاً لإيجاد أسواق بديلة للغاز، أو في مسألة استخدام النظام المصرفي «SPFS» بديل من سويفت، وفي عامي 2014 و2015 مدّت روسيا خطّي أنابيب تصل آباراً في سيبيريا بالسوق الصينية، ولكن السؤال هنا هل مصلحة روسيا أن تبقى مع الصين؟.
فالسلع التي كانت تصدر للدول الغربية بعد فرض العقوبات على موسكو، ستتحول إلى السوق الصينية، الأمر الذي قد يؤدّي إلى زيادة حجم التجارة بين الجانبين، والبضائع التي لم تنجح في الوصول إلى الأسواق الغربية ستنتهي على الأرجح في الصين، بعد توسع الناتو والتزام واشنطن بإخراج أوكرانيا من فلك موسكو وإلحاقها بالغرب، وفي هذه الأجواء ستصبح الحرب بين أمريكا والصين، فهل سيكون لقرار موسكو بداية لتخفيض الطلب على الدولار بالتجارة الدولية، وهل سيمثل خطوة تجعل أميركا تزيد من ضغطها على موسكو أو العودة للجلوس معها والتفاوض على الحلول الأمنية والسياسية لأزمة أوكرانيا؟.