د.صالح العبدالواحد
السؤال المنطقي أمام رئيس الوزراء البريطاني هو:
لماذا لم تبحث عن حل أزمة النفط مع نظيرك الكندي؟
فكندا تملك نفس كمية احتياطي النفط السعودي، كما تتشارك كندا مع السعودية أيضًا في نفس عدد السكان تقريبًا.
أما عن سياسة بريطانيا في الساحة الدولية، فقد قامت في الثمانينات بإنتاج كميات هائلة من بحر الشمال، قضت خلالها على مخزونها النفطي، وذلك لخفض الأسعار في ذلك الوقت.
ولدى كندا رئيس وزراء ما زال يحاضر عن شؤون الدول الداخلية التي تبعد عنه آلاف الأميال، وسيكون سعيدًا إذا استطاع بأن يضيف أي ضرر بتلك الدول التي تقوم بخطوات جبارة نحو إحلال السلام في العالم.
عدم استعانة رئيس الوزراء البريطاني بنظيره رئيس الوزراء الكندي هو ببساطة لأن كندا لا تستطيع المساعدة، فلم تستثمر كندا الأموال لبناء محطات لإنتاج النفط بكميات تسمح لها بلعب دور التوازن الاقتصادي العالمي كما فعلت السعودية.
لماذا؟ لأن ذلك مكلف اقتصاديًا، وتحب كندا أن تربح من سعر النفط المرتفع دون أي أعباء استثمارية، ودون صرف أي دولار على البنية التحتية، بما يتناسب مع الخلفية الاستعمارية لوجودها.
ولا يعرف الكثير أن مقاطعة كوبيك في الشرق الكندي، وهي المقاطعة الأشهر في دولة تملك أحد أكبر احتياطي نفطي في العالم، تستورد حاجتها من النفط من روسيا! فقط لأن حكومة كندا لم تستثمر لإنشاء أنبوب ينقل النفط من مقاطعة البرتا النفطية في الغرب الكندي.
هذه المعلومة تعطي القارئ فكرة واضحة عن الدول التي تتخذ المسار التنموي في خدمة الاقتصاد العالمي مهما كانت التكاليف، عن مسار الدول الاستعمارية التي تهتم بأنانية مطلقة تخدم مصلحتها فقط.
منذ أن بدأ النفط في التدفق من الجزيرة العربية، كانت المملكة العربية السعودية تؤسس لبناء محطات عالمية داخل أراضيها كي تستطيع ضخ النفط إلى جميع أنحاء العالم. وتحملت المملكة تكاليف باهظة من أجل ذلك.
لم تبدأ رحلة المملكة مع النفط من البارحة، فعندما بدأت المملكة العربية السعودية العمل الجماعي مع الدول المصدرة للنفط منذ ستين عامًا عبر تأسيس منظمة أوبك، وضعت المنظمة نصب عينيها هدفًا واضحًا وهو وصول النفط - العنصر المهم للطاقة -، إلى جميع أنحاء العالم بسعر مناسب ووقت مناسب وبما لا يعوق التنمية الاقتصادية العالمية. وقامت المملكة ببناء شبكة أنابيب وموانئ مخصصة لذلك الغرض، وتحمَّلت تكاليف باهظة من دخلها القومي لهذا الغرض النبيل في خدمة التوازن الاقتصادي العالمي.
ورغم مرور منظمة أوبك طوال هذه الفترة في ظروف عمل قاسية، وصل خلالها سعر النفط إلى أسعار ما دون التكلفة، «لم تهتم» أي دولة بمعاناة المملكة، ولم تجد كذلك هذه المنظمة من يتعاطف معها، أو يتفهم أهمية موقفها للتنسيق في ضمان تدفق هذا العنصر المهم في شريان العالم من قلبه النابض في المملكة العربية السعودية.
وابتعد الجميع عن مناقشة الأثر الخطير لذلك، لأن الخاسر الأكبر من انخفاض السعر هو المملكة العربية السعودية.
بعد انحسار وباء كورونا، ونتيجة تضخم الاقتصاد العالمي، صاحب ذلك التضخم ارتفاعًا في أسعار جميع السلع ومنها سعر النفط، وبما لا علاقة له في الحرب الأوكرانية. وكان الاقتصاديون يتوقعون وصول النفط لسعر مرتفع مع نهاية الأزمة وارتفاع الطلب العالمي.
وعوضًا عن مناقشة الحلول الاقتصادية لإعادة التوازن الاقتصادي للعالم، قامت الحكومة الأمريكية بمحاولة فاشلة وهي تحرير المخزون النفطي لديها مما اضطرها لاحقًا لملء ذلك المخزون بسعر النفط الأعلى.
ولم تتقدم أي دولة في العالم لمساعدة المملكة التي تتعرض لهجمات إرهابية على أهم منشأة نفط في العالم، المنشأة التي تسهم بتدفق هذا العنصر الحيوي المهم إلى جميع أنحاء المعمورة، قلب النفط النابض: شركة أرامكو.
وقامت الحكومة السعودية بجهود منفردة، بتسخير الإمكانات كافة لإصلاح الأضرار وإعادة العنصر الحيوي إلى التدفق مرة أخرى إلى جسد هذا الكون، قبل أن يصاب الاقتصاد العالمي بمزيد من الأضرار. وفعلت مثل ذلك -مؤخراً- أمام تعرض مصفاة جدة وغيرها إلى أضرار بسبب العدوان الحوثي المدعوم من إيران.
وتعمل السعودية دائمًا -التي منحها الله القيادة الحكيمة- على تثبيت الأسعار ضمن خطة التوازن الاقتصادي العالمي، معتمدة في ذلك على سواعد أبنائها، تمامًا كما تعتمد على تلك السواعد في الدفاع عن حدودها، متحملة المسؤولية العالمية لدولة بحجم الأهمية التي تحتلها المملكة في العالم.
مع ذلك نجد أن الدول التي تعاني من ارتفاع الأسعار «لم تهتم» بتلك الخطوات التي تقودها المملكة في حملتها ضد العناصر الإرهابية التي تضمر الشر والحقد ليس لأمريكا فقط، بل للعالم أجمع.
هذه المجموعات الإرهابية سواء الحوثية أو حزب الله، التي تتخذ من جملة «الموت لأمريكا» شعارًا لمنهجها، وتلاوة في صلاتها، والتي تقوم يوميًا بقتل الأبرياء وتجويعهم في اليمن وسوريا ولبنان، تقوم الحكومة الأمريكية الحالية برفع التصنيف الإرهابي عنها، كما تستعد الآن لرفع التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري الإيراني، والعمل على ضخ التمويل اللازم لها، لإعاقة ضخ النفط إلى العالم!
تلك المجموعات الإرهابية التي تعمل على تدمير وزعزعة الاستقرار في المنطقة، بل وتعادي الولايات المتحدة علنًا، جهارًا نهارًا، تتلقى الدعم الأمريكي المباشر وغير المباشر، في تناقض صارخ مع سياسة تتخذها الحكومة الأمريكية مع الحلفاء. مما يجعل حكومة الولايات المتحدة الحالية، شريكة في المسؤولية عن تلك الدماء التي يتم سفكها في المنطقة دون أي مبرر، حيث لا يمكن أن نجد أي تفسير لتعامل أمريكا الودي مع العناصر الإرهابية التي تتخذ شعار «الموت لأمريكا»! وتقديم الدعم المادي والمساندة اللوجستية التي قد تؤدي إلى تطوير القنبلة النووية.
فما هو السبب إذن وراء قيام الحكومة الأمريكية بسحب بطاريات الصواريخ التي تحارب المسيرات التي تقصف ذات المنشآت التي تزود العالم بالطاقة، بما يشكل تهديدًا واضحًا لتسييس العلاقة الأمنية، وإنتاج النفط!
ورغم اتهام الرئيس السابق ترامب الرئيس الحالي بالغباء إلا أنه لا يمكن أن يكون ذلك غباء من شخص مثل رئيس دولة أو وزير خارجية بحجم أمريكا.
ماذا كان رد قادة بلادنا: كان الرد واضحًا من سمو الأمير محمد بن سلمان للعالم أجمع عندما أعلن عن رأيه في أقوال فخامة الرئيس بايدن، حيث أجاب سموه: «أنا لا أهتم لرأيه، أنا أعمل لمصلحة بلادي، ومصلحة الاقتصاد العالمي».
في عالم الاقتصاد، يعتبر ارتفاع سعر النفط لبلد مثل السعودية، التي استثمرت ترليون دولار لتطوير الطاقة الإنتاجية، (عكس دولة بحجم كندا)، يعتبر هذا هو الوقت المناسب للحصول على عائد مناسب على الاستثمار، ولكن قادة المملكة أبعد ما يكونون عن استغلال الآلام والحروب للاستثمار المالي كما تفعل ذات الدول التي تستنكر الحروب وما ينتج عن الحروب من قتل الأرواح البريئة، وتدمير البنى التحتية، وشتات المجتمع، في العلن، بينما تقوم بتغذية تلك الحروب في الخفاء، عن طريق بيع السلاح غالي الثمن، مما يزيد معاناة الشعوب فقرًا، وازدهار الدول المصنعة للسلاح، مستغلة آلام الشعوب أسوأ استغلال.
وما أن تبدأ المملكة في وضع الخطط الإستراتيجية التي تجعل العالم يحصل على النفط الحيوي دون أي تأثير على الاقتصاد العالمي، تقوم عناصر إرهابية تهتف «الموت لأمريكا»، بقصف هذه المنشآت، وتقوم الحكومة الأمريكية المشتومة بتصنيف تلك الجماعات الإرهابية التي تزعزع العالم أجمع بأجمل العبارات الكاذبة، وأنها: «صديقة للبيئة، والإنسانية، والحياة السلمية».
وفي الوقت الذي يريد العالم من المملكة العربية السعودية العمل على خفض أسعار النفط، فإن العالم لن يقوم بتقديم قطع الغيار لنا مجانًا، بل على العكس تمامًا، سيكون السعر مرتفعًا جدًا ومتناسقًا مع التضخم العالمي في وضع متناقض تمامًا مع المبادئ التي ينادي بها.
ولن يقوم بمساعدة المملكة في ترسية السلام في المنطقة، بل على العكس تمامًا، ها هو يدعم تلك المنظمات الإرهابية التي تتخذ شتم الولايات المتحدة شعارًا تنفيذيًا لها، ويرفض التنديد بقصف المدنيين في المملكة العربية السعودية.
الرسالة التي أرسلها الشعب السعودي إلى سمو الأمير محمد بن سلمان هي:
«أنه لا يهتم لسياسة بائسة من حزب سياسي بائس، يحاول النيل من وطننا بأي شكل من الأشكال».