الشجاعة صفة رائدة تعني يقظة النفس وبُعد النظر وصفاء النفس، وهي أصل لكل فضيلة من النَّجدة والمروءة والنخوة. الشجاعة خلق فطري ومكتسب، ومحلها القلب يظهر أثره في الأفعال والأقوال. الشجاعة تدل على شدة القلب وجراءته في الإقدام والرد في مقاومة الخصم والتغلّب عليه، والثبات في ذلك الإقدام والاستمرار على الصبر في الشدة.
والشجاعة ليست هي قوة البدن، قد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب، وإنما هي قوة القلب وثباته، ولذلك لخلق الشجاعة وسائل تغذيه وتقويه وتوجده، فمن تلك الوسائل والمغذيات الإيمان.
الإيمان مدرسة خُلقية وتربية نفسية ذاتية تجعل الإنسان يتمسك تلقائياً بالفضائل الخلقية ويضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة والتضحية والأمانة والعفة. إن كل خير وكل فضل في حياة الإنسان وأعماله ما هو إلا من ثمار بنور الإيمان.
ومن ثمرات الإيمان أنه يحرِّر فكر الإنسان، ويحفظ عزته وكرامته، فالمؤمن يؤمن بأن الله تعالى هو وحده المالك لكل شيء، وهو رب العالمين، بيده المنع والعطاء والنفع والضر، والغنى والفقر، الإيمان بهذه الحقيقة يجعل الإنسان متحرِّراً، لا يخاف من أي قوة في الأرض.
إن الإيمان بالله يجعل الإنسان قوي العزيمة كثير الصبر، ثابتاً كالجبل مهما كانت المصاعب، ويجعله يراقب الله تعالى ويطيعه في أوامره ونواهيه، المؤمن يؤمن بأن الله معه أينما كان وأنه مطلع على سره وعلانيته. هذا الإيمان هو المبدأ الأساس في التربية الإسلامية.
يصف علماء الأخلاق الشجاعة بأنها إحدى الملكات التي وظيفتها حراسة النفس وحمايتها، وهي خاضعة في أفعالها لحركة القوى الغضبية، وينبغي أن يلزم بها صاحبها حد الاعتدال، فإذا كانت الشجاعة عند فلاسفة الأخلاق إحدى فضائل النفس، فهي في الإسلام، أحد المكونات الأساسية لشخصية المسلم، وهي من أمهات الفضائل الأربع العفة والشجاعة والحكمة والعدالة.
يأتي الإيمان كقوة دفع حقيقية كي يُكسب صاحبه القوة والشجاعة، ويلبسه حُلة الأمل والقدرة على التغيير للأفضل، والتحكم في مجريات الأمور، يخلق الإيمان التفاؤل الذي يبعث في النفس الحيوية ويُكسبها القوة على التصدر للأحداث مهما عظم خطرها، ومهما استفحل أمرها، فيبددها وينتصر عليها.
الإيمان يدب الحياة في النفس الميتة باليأس والقنوط فإذا هي شعلة من النشاط والهمة العالية، الإيمان يبني في النفوس التفاؤل ويُحيي فيها الأمل، والمؤمن بالله لا يعرف الضعف والهوان، فهو يتحلَّى دائماً الشجاعة والجرأة في الحق، ويدافع عن حقوقه وحقوق الآخرين بكل الوسائل المشروعة، من دون أن يتجاوز في حق أحد ومن دون أن يظلم أحداً.
إن الإيمان يأتي كقوة خارقة تكمن في داخل الإنسان، وتظهر في لحظات الشدة والمصاعب، تظهر لتحقق المستحيل، وتحطّم الحواجز وتكسر السدود حتى يصل الإنسان إلى ما يريد، ويُحقق أحلامه وطموحه. يملأ الإيمان قلب الإنسان رجاءً وأملاً في رحمة الله وفضله، ومع أنه يصادف في الدنيا البؤس والحرمان والابتلاء، فإن الأمل والرجاء لا يفارقانه أبداً، وبقوة يمضى في حياته عاملاً متفائلا.
الإيمان نور وسكينة للقلب والعقل، وهو تحرّر وكرامة وعزة للنفس، وهو قوة وعزيمة دافعة إلى الشجاعة، والشجاعة التي يتحلَّى بها المسلم هي التي تدفعه إلى أن يقول كلمة الحق، ولا يخاف لومة لائم، لأن الشجاعة هي القائدة إلى الأمام والمُوبَوِّءة منصبَ الهمام، والقاضية على الذلِّ والهوان، وهي سرُّ بقاء البشر واستمرار الحياة، وهي من صفات الكمال والجمال.