عبدالعزيز بن سعود المتعب
أن تكون شاعراً متمكناً من موهبتك، وتقدم ما يليق بحضورك التراكمي الناجح، ومثقفاً ذكياً لبقاً واعياً متجدداً، ووهبك الله من الكياسة والأناة ما يتماهى مع رقيك ونقاء قلبك الكبير.. كل ذلك اختزلته تجربة إنسان بالمعنى الرفيع لمضامين الكلمة، وشاعر غني عن التعريف، صاحب تجربة متبلورة تماماً، لعطر قصيدته عبق متفرّد، ولسحر بيانه ما توثقه تداعياته وأخيلته ورموزه وصوره في نصوصه التي طالما أخذتنا عالياً في حلم رومانسي تارة، وفي مخالجة وجدان الناس وما يعنيهم كافة في فرحهم وحزنهم تارة أخرى، وليس ذيوع صيت شوارد شعره ومكوثها في محفوظات الآخرين واستشهاداتهم بها، إلا دليل يحسم ما سواه. لست بصدد الحديث عن تجربته الشعرية أو صداقته المشرِّفة منذ الثمانينيات الميلادية، فهو في هذه وتلك غني عن الإشادة -رحمه الله-، ولكن استوقفتني قصيدة فصحى «لأبو أحلام» -رحمه الله-، نشرت في صحيفة «الجزيرة» في «المجلة الثقافية» الاثنين 16 من ذي القعدة 1428هـ، العدد 224، بعنوان: (الوصية المعلنة)، وكانت سبباً لدمعة في فراق عناد قبل وفاته -لمن يعرفه عن قرب-، فنظرته الاستشرافية وقراءته لأصغر التفاصيل مؤلمة لمحبيه الكثر، ومنها قوله:
سأترك أزهاراً بغير إرادتي
فهل أنت بعدي لن تخلَّ بواجبِ؟!
بربك لا تقسُ فإن مآلنا
إلى الله مهما طالَ عمرُ المحاربِ
وفي قصيدة وفاء وإخلاص وشفافية وإحساس عالٍ وتخليد لمشاعر أصيلة، يقول مخاطباً زوجته ورفيقة مشوار حياته وملهمته ببوح أمسى «شمس وفاء لا تغيب» لكل الأجيال، وإن رحل عن هذه الدنيا الفانية -رحمه الله-:
اي والله انك عظيمه وإنك إنسانه
أكبر خطاياي ما مرّه حسبتيها
عطيتي الشاعر اللّي هاض وجدانه
أكبر من أحلامه اللّي كان يرجيها
اللّي تحدّى الزمان ومال ميزانه
لقاك صوت الأمل ربك يسوّيها
وش يزعلك؟ وانتي نور البيت واركانه
وأيامنا مرّها هو درب حاليها
إلى زعلتي انتي من أضحك علشانه؟
وإلى ضحكتي انتي عيني من يبكّيها
أسأل الله جلّت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، ويدخله فسيح جناته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وقفة:
يا عناد لو خان الصبر دمعة العين
وتحدّرت بالخد من حر فرقاك
ما لومها بك يا رفيع المضامين
يالوافي الناهي بطيبك ومبداك
في عاتقي لك يا صديق العمر دين
نبراس فكر وشعر مع طيب مجناك
ما ينقضي لو عشت من بعدك سنين
أو متّ بعدك وش حياتي بليّاك
يا عناد من بد الأقاصي والأدنين
لك قدر مستثنى ولا والله أنساك