عبده الأسمري
يرتبط مفهوم «التطور» بمدى العقلية وصدى الذهنية التي يتمتع بها البشر في كل المجتمعات لذا فإن العرب قديماً كانوا في «جاهلية» مقيتة ضربت بمعاولها مرابع القبائل وهزمت بمهازلها مهاجع الأقوام فانتشرت الجريمة وساد الفساد وانهدمت القيم حتى جاء الدين الإسلامي ليهذب الأنفس ويرتب الحياة وفق نظام أعاد للبشرية مكانتها ووفر للخلائق حقوقها..
وبعد أن وصل الإسلام إلى أقاصي الصين وأرضخ بلاد الفرس والروم لمنهج العدالة وابتهجت بلاد «الأندلس» بمعاني الأصالة وملأ الفتح الإسلامي أرجاء المعمورة بمضامين العدل وموازين الفضل. ظلت أوروبا تترقب تلك الانتصارات بذعر «المتوجس» وظل فلاسفتها وحكماؤها يبحثون عن الإعجاز في هذا الدين الذي دك كل الأسوار وأعطى الغرب دروساً في الانتصار على أيدي «فئات» قليلة تسلّحت باليقين وتمكنت بالتقوى من هزم العدو وتحقيق النصر وتمكين الديانة وتعزيز الأمانة..
بدأ الغرب يخطط لعقود من أجل قلب الطاولة وتجديد المحاولة في عكس الموازين عبر الاستعمار «البائس» فجندت الدول المحتلة جواسيسها ونشرت كتائبها وركَّزت على «سرقة» العلوم و»سلب» الآثار ونشر الفوضى وتشويه صورة «المرأة» وتغيير هيئة الحشمة ونالت مطالبها حينذاك في تغيير مؤلم للهوية الإسلامية من خلال تبديد القيم ونشر المفاسد وغسيل العقول.. وظلت شعوباً تعاني المرارة وتجني الفوضوية وباتت في نضال «مؤلم» مع أجيالها الذين لبسوا رداء التغريب وأضاعوا أصول الأخلاق حتى بعد مغادرة المستعمر الذي حرص على التدمير الإستراتيجي لمنظومة السلوك والتهجير المدروس لنظم القيم..
ساد «الندم» أوساط الشعوب التي عانت من الانفلات ووقعت تحت وطأة الجرائم وظلت مؤسسات الإصلاح ومواقع التأديب تنوء بالأعداد الكثيرة من الشباب الخارجين على القانون وتفشت في عدة مجتمعات مغارم «الانحلال» ومظالم «المفسدة» بسبب عدم حماية «الهوية» الإسلامية التي كانت «السلاح» الأعظم في وجه أي مخططات سرية أو علنية لضخ المعتقدات الدخيلة تحت مسمى ومنظور «التطور» البائس الذي تمررت حيله بكل سخرية بين أوساط بلدان إسلامية متعددة.
خرج عدد من المبتعثين إلى الخارج وظلوا سفراء لدولهم ودينهم حتى إن بعضهم تحول إلى دعاة على أبواب التقوى وجاءوا من الخارج بدرجات الدراسات العليا وسجلات المسلمين الجدد واضعين أمام الغرب مناهج من الاعتزاز بالدين والعزة بالقيم وظل الكثير منهم يتناقلون المهمة حتى تنبهت بلدان الابتعاث لما أسموه «الخطر الدعوي» حتى بدأوا في حرب ماكرة من خلال غمس «الأفكار» العقائدية بين الطلاب والطالبات ومحاولة استمالة «الغافلين» منهم إلى وحل «التطور» الزائف حتى تستغني الفتاة عن حجابها والشاب عن قيمته..
ومع ثورة التقنية وسطوة المعلوماتية وقع العديد من الشباب والفتيات في «فخ» التورّط «الدخيل» من خلال «التطور» الوهمي الذي نشر بين مجموعات «المعتوهين» من «الجنسين»مهازل «التقليعات» الغريبة في كشف شعر الفتاة وخروجها بزينة «مقيتة» تكون فيها أقرب إلى «المهرجين» وتضييع الشاب لقامته وقيمته من خلال لبس السلاسل وأقراط الأذن وقص الشعر بطرق غريبة وكأنك تنظر لرسم «كاريكاتير» والخروج بملابس غريبة مريبة وكأنه في هيئة «شحاث» أو «متسوّل» وقيامه بالرقص والاستماع إلى موسيقى صاخبة تنثر «التشوّه» السمعي بكل تفاصيله.
لدينا مشكلة في التطور والانفتاح وهو ما نراه من «التورّط» في سلوكيات غريبة تنبئ بالخطر من مستقبل لا نعرف أبعاده فالأسر باتت «مهملة» في وقاية أبنائها من هجمات «التخلّف» ومن موجات « المهازل» التي استعمرت عقولهم حتى أصبحنا نرى من وقع في براثن «الإلحاد» ومن سقط في وحل «الانحراف».
التطور الحقيقي في التمسك بالقيم وفي الالتزام بالهوية وفي التقيد بالأصول وأما التورّط الحاصل فهو ما نراه في «مجون» مفتعل وما نشاهده من مجاهرة بالمعصية أو مكابرة بالخطيئة.. تفضحها فلاشات «الكاميرات» الجائلة وترصدها «ضمائر» الأنفس الغيورة.
نحن أم تخطيط تقوم عليه «خلايا» نائمة وأخرى مستيقظة بعضها من خارج الحدود وأخرى من داخل المجتمع تسعى إلى تشويه صورتنا الحقيقية وواقعنا المشرف حتى يلبس الأجيال رداء التغيير وجلباب التبدل في صرخات «سلوكية» وموضات «مسلكية» وتصرفات «ضلالية» في الشكل والهيئة وفي السلوك والمسلك بشكل مثير للسخرية يستدعي التدخل والتأديب.
المؤسسات الرسمية والجهات المعنية وأقلام المفكرين وأدمغة المؤثّرين معنيون جميعاً بمواجهة هذا الزحف ووقف هذا السفه والعته النابع من تورّط دخيل بسبب تطور مستورد لا يناسب قيمنا ولا عاداتنا ولا طبائعنا ولا هويتنا وغايتنا وأصولنا..
وأرى أن في النظام لوائح مثبتة وبنود مفصلة لإيقاع العقوبات ووضع الغرامات لذا يجب توظيف كل معاني «التأديب» للمتورّطين والمدانين في تشويه صورة المجتمع وتبديد معاني الهوية والإساءة إلى ثوابت الدين حتى نعزِّز مفهوماً جديداً مفاده أن «من خاف العقوبة أصلح الأدب»..