سلمان محمد البحيري
لماذا عندما نختلف مع أحد نسيء له ونفترق ولا نلتمس له الأعذار، لعله في وادٍ غير وادينا، وربما صدره يحوي ما لا يستطيع البوح به، لماذا ندع المجال للشك وسوء الظن ونسمح لهمزات الشيطان بأن تفسد العلاقة، لماذا لا نحسن الظن؟ ولماذا عندما نختلف نفجر في الخصومة، ويؤدي ذلك للكراهية والقطيعة، إذن أين ذهب الفضل والمعروف؟! وإذا كان الاختلاف سيأخذ سنوات طويلة حتى تصفو النفوس وتعود المياه لمجاريها، فأين ذهب التسامح والحب والتماس العذر والتغافل عن الزلة حتى تستمر الحياة، وكما قال المثل الشعبي (من واخذ صاحبه على الزلة خلاه الزمان بلا صاحب)، فكلنا خطاؤون والاختلافات لا بد منها، وهي جزء لا يتجزأ من الحياة، بل هي سنة من سنن الحياة، فما دام أن الاختلاف لم يأتِ على الأصول فلماذا نكبر الخطأ على الفروع، فحتى في الدين هناك اتفاق في الأصول واختلاف في الفروع، فلذلك كانت المذاهب الأربعة في الدين، الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي، إذاً لماذا التسرع في الغضب وخلق العداوات والتخلص من أصدقاء أو إخوان أو أقرباء أو أحبة قد شاركونا وفعلوا معنا في فترات حياتنا ومن أجلنا الشيء الكثير؟ لماذا نتصيد الأخطاء في الخلافات ونضخم الأمور لينتهي كل شيء أو ينهوا معنا كل شيء وكأن عشرتنا وذكرياتنا معهم كانت مجرد ورقة نزعناها وترمى في سلة المهملات؟ لماذا أصبحت حياتنا كدفتر أوراق وكل ورقة منه عبارة عن شخص نمزقه ونرميه كيفما نشاء ووقت ما نشاء غير مبالين بالجرح الذي تسببنا فيه ومن دون التماس للأعذار ومن دون وجه حق وليتنا نكتفي بهذا بل نشوه سمعة هذا الشخص الذي اختلفنا معه عند الآخرين ونصفه بأقذع الأوصاف، ثم نبدأ في البحث عن شخص آخر ليتكرر معه ما فعلنا مع الشخص السابق، وهذا أكبر خطأ نرتكبه في حق أنفسنا قبل أن نرتكبه في حق الآخرين فلا يوجد إنسان كامل ومثالي من دون أن يخطئ، لماذا لا يكون هناك التغافل والتسامح ونعتذر إذا أخطأنا ونقبل العذر وندمج الزلة من المخطئ؟ أين ذهبت النفوس الطيبة والقلوب المتسامحة، فرحم الله من تغافل من أجل بقاء الود ودوام المحبة والمعروف والفضل، وهذا يصل إلى درجة الإحسان عند الله -عز وجل-، لذلك أحسنوا الظن وابتسموا وتسامحوا ولا تدققوا واغسلوا قلوبكم من الضغينة، وابتعدوا عن الشك وعن كلام الوشاة وسوء الظنون، ولا تعطوا للشيطان فرصة للعبث بينكم والتمسوا لمن تحبون ولو عذراً واحداً، فكلنا راحلون والحياة الديا قصيرة، ونحن في أعوام تتساقط فيها الأرواح بالموت الفجأة وبلا سابق إنذار، لذلك هنيئاً لمن كان يملك نفساً زكية وقلباً نقياً، وهنيئاً لمن خرج من هذه الدنيا ويذكر بحسن المعشر وطيب السيرة، لذلك يكفي هذا حتى لا نسمم حياتنا بالكراهية وخلق العداوات والرغبة في مراقبة الآخرين لتصيد الزلات ومحاسبتهم لأجل الانتقام.