منصور ماجد الذيابي
من الطبيعي أن ينتاب الانسان شعور بالسعادة والفرح عندما يتحقّق له من الأمور السّارة ما يجعله مبتهجا مسرورا كأن يكسب مثلا مبلغا من المال, أو يرزق بمولود جديد, أو يتماثل إلى الشفاء من وعكة صحية, وما إلى هنالك من الأمور السّارة في حياة الإنسان التي لا تخل أحيانا من المنغّصات والأحزان والقلق. ولكن قد يحدث في الوقت ذاته ما يجعل الانسان يعضُّ أصابع النّدم وينتابه شعور باليأس والألم نتيجة للتحوّل المفاجئ من حالة السرور التي تحقّق له الاستقرار العاطفي والركود الذهني, إلى حالة التخبّط والذهول التي تؤول بدورها إلى مستوى الغليان العاطفي والارتباك الذهني, ومن ثم الدخول في مجال الأسى والسخط والاستياء الذي يتمخّض عن تلك المشاعر المضادة التي تهاجم الانسان بينما يكون في حالة انسانية لا تسمح له بمقاومة الهجمات الشرسة دونما مساعدة خارجية عاجلة لتخفيف وقع الشعور المضاد على مجال الحالة الانسانية قبل تعرّضها للهجوم الذي يماثل في طبيعته من حيث التسلل والتغلغل ما يعرف اليوم بالهجمات السيبرانية في أنظمة اتصال الشبكات الالكترونية.
نعلم جميعا أن انسان العصور القديمة لم يكن يتعرّض لمشاعر الحزن والأسى الا عندما يفقد عزيزا عليه أو قريبا له, اذ لم يعرف انسان العصر البدائي أيّا من المآسي التي نعرفها ويدركها البشر اليوم ومنها الجوانب السلبية لوسائل وأدوات الحياة في هذا العصر الحديث, ذلك أنّ متطلّبات البقاء على قيد الحياة تختلف اليوم عمّا كانت عليه في العصور السحيقة. فإنسان الأمس لم يكن يعاني مثلا من هموم البحث عن الوظيفة وتوفير المسكن وتحمّل أعباء القروض المالية, وارتفاع فواتير المعيشة والضرائب والمنافسات المحتدمة في كل المجالات الحياتية اليومية التي أفرزتها لنا ثقافات المجتمعات وارهاصات الحياة عبر عقود طويلة من الزمن.
وباعتباره جزءا لا يتجزّأ من منظومة ثقافية معينة, فان الانسان لا يمكنه تغيير أو تعديل طبيعة المشهد الاجتماعي والاقتصادي بمفرده. وهو المشهد الذي تتسلل من خلاله تلك المشاعر المعادية لتفتك بالحالة المستقرّة لمشاعره وطمأنينته ورضاه عمّا يدور حوله في فلك الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
ومن هنا قد نضطر لأن نتساءل أو نبحث عن كيفية تغيير مسار هذه المشاعر المعادية أو مجابهتها ومقاومتها بأدوات وسلوكيات محددة بغية تحويل جزء منها على الأقل إلى مشاعر ودّية وصديقة لتخفيف وطأة آثارها على النفس الانسانية التي عانت وتعاني كثيرا في هذا الزمن من المنعطفات الحادّة والتقلّبات والمطبّات المزعزعة لاستقرارها ورضاها وطمأنينتها.
ما أود الاشارة اليه في هذا المقال هو أن طبيعة ثقافة الفرد المقيّدة بأغلال النظم الاجتماعية والاقتصادية قد تشكّل عائقا أمام محاولات الخلاص من مستنقع المآسي والمصائب التي نجد أنها تكون غالبا أقسى وأصعب ممّا يمكن أن يجعل المرء يتفاءل بانتصار مشاعر الأمل والمقاومة على مشاعر اليأس والاستسلام طالما لا يلوح في الأفق البعيد ما يبعث على الأمل.
يقول الله تعالى في سورة البقرة: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .
كمسلمين مؤمنين بما أنزل الله على رسوله الكريم من آيات الذكر الحكيم, فليس من شيء متاح أمامنا سوى الصبر على المصائب والكوارث والمحن لا سيما عندما تكون أصداء مشاعرنا في واد, ومشاعر الآخرين في واد آخر. نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصبر ويبشّرنا بما هو خير لنا. ولكن ماذا نحن فاعلون حينما تصل القدرة على الصبر والتحمّل إلى الحدّ الذي يعلن الصبر عنده اخلاء مسئوليته من الوقوف معنا كما أعلنها من قبل أولئك الذين ظننّا أّنهم لن يدعوننا نصارع أمواج الحياة العاتية لوحدنا دون أي قوارب نجاة انسانية عاجلة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الغرق في دموع الحزن والسأم؟!
نحنُ وان طالت بنا الأيّام ضاحكةً
فيوماً ستأتي ليالِ الحزنِ والسأمِ