(القراءة مخلينها لك) تبعثرت الكلمات في داخلي، وراحت تعصف بفكري وأنا أنظر إلى محدثي الذي علا وجه ابتسامة ساخرة، وهو يحدق في بقوة، ولكني كظمته، وجاهدت نفسي حتى رست إلى الحكمة التي كانت ضالتي، عدة مره أخرى أمعن النظر في محدثي الذي أخرج من جيبه مكسرات، وبدأ في التهامها بشكل بطيء، والتي كشفت معالم محدثي، وعن شخصية تميل إلى حب الكسل والبلادة وضيق الأفق في التفكير.
راح يسرع في التهام مسكراته التي تناثرت على ملابسه، ثم توقف وأخرج هاتفه الجوال، وصار يستعرض محتوياته التي كانت أصوات ضحك وموسيقى عالية، وكلام مبتذل ينم عن صفاقة وخطل، لقد أصبحت هذه العقول معدية في تفكيرها ليس على مستوى محيطها بل أخذت تستشري على نحو مخيف، يا ليتها تكدح وتنتج في عملها كان نقدر أن الوقت مسلوب منها ولكن مع الأسف والأسى هي في تيهان عقلي، جرفها نمط التغيير في نمط الحياة العصري، وأصبحت تقبل بشراهة على الاستهلاك المعيشي الذي ضخم أجسادها وصار قمة الطموح بالنسبة لها تبحث فيه في كل وقت (عش يومك).
تستخف بثقافة مختلفة سطرها رجال عظام أفنوا حياتهم بجهد وعطاء زاخر في صنوف المعرفة والآداب والعلوم كافة خلده التاريخ ساهم في رقي الإنسان عقلياً وحضارياً.
رحمك الله يا أبا عثمان بن بحر البصري (الجاحظ) لقد مت مدفوناً بالكتب، وقعت عليك وأنت في عمر التسعين عاماً، تركت كتباً يصعب عدها، إنك حقاً شهيد (المكتبة) أين جهلاء الثقافة الذين غذوا أجسادهم ولم يغذوا عقولهم عن حياتك وعطائك الخالد.
أخيراً قال كلثوم بن عمرو العتابي في الكتب والقراءة:
لنا جلساء ما نملّ حديثهم
ألباء مأمومون غيباً ومشهداً
يفيدوننا من رأيهم علم من مضى
وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدداً
بلا مؤنة تُخشى ولا سوء عشرة
ولا نتقي منهم لساناً ولا يداً