يبحث الإنسان في مختلف تصرفاته عن تغذية بعض الأحاسيس والمشاعر التي تختلج صدره، وكلّ شخص له مصادره الأولية والثانوية في تغذية هذه المشاعر، ولا يمكن للفن أن ينفصل عن الإنسان ولا عن الحواس ولا عن الفكرة لأنه يعشق للجمال الذي يميز الطبيعة ومحبة للذات وللآخر، فهو منفذ للحياة يساهم في خلق السعادة، فمهما كانت النفس ضائقة فإنها بالفن تسعد وبالجمال تتلون المشاعر وتلامس الإنسانية وترتقي وتنبذ العنف.
الفن قديم قدم الإنسان، تعرض للتطور بناء على اختلاف الحضارات الإنسانية، فالإنسان يقوم بمجموعة من النشاطات التي تمنحها غذاء الروح، لأن الإنسان في وجوده وكيانه جسد وروح، فأبدع الموسيقى والرسم والنحت والشعر. الفن هو ذلك الفعل الذي يسلط الضوء على أسرار ومكونات موضوع يدور في خلد الإنسان، وقد يراد لهذا الإيضاح أن يكون مؤثراً فيقدم على شكل قصيدة أو عمل نحتي أو لوحة أو عمل مسرحي.
الفن وسيلة معرفية استطاعت منذ القدم أن تكون قوام الحضارات وسمة الشعوب فمجرد أن نتأمل في العمارة والبناء والرسوم ووصولها للعالمية في الإنجاز ندرك أن الفنون تخطت الحواجز وتجاوزت الصراعات لأن صراع البقاء والقوة يفنى مهما طال زمنه وما يبقى هو الفن والثقافة، فالحضارة الإغريقية أسست للفلسفة والعلم والبحث والمعرفة وفنون الخطابة والشعر والمسرح، والحضارة الفرعونية أسست للجمال والرسم والرمز والبناء، والحضارة الإسلامية وصلت للعالمية بالحرفية الزخرفية والتلوين والعمارة والخط العربي لتؤثر بجماليتها على الإنسانية وعلى الذوق بمخزون هائل من الفكر والفن والجمال.
الفن شكلٌ نوعي من أشكال النشاط الإنساني والوعي الاجتماعي، حيث إنّه يعكس الواقع بصورةٍ فنيّة لا الفن يقود ويعكس ويعرّي التغيير في السياسات والأخلاق، كما أنه حجر الأساس في عملية خلق الثقافة، جائش بالفكر دافق بالأفكار، ولا يمكن فهمه تماما بمعزل عن سياقه. إنما للمفارقة، فإن في وسع الفن إيصال رسائله متجاوزًا الزمن واللغة، لكي ينشد الإنسانية المشتركة ويصل المجتمعات اليائسة ببعضها بعضًا. ولربما لو انخرطت جماهير أوسع بالتقاليد الفنية العالمية المتنوعة، لتولد المزيد من التسامح والاحترام المتبادل.
الفن يربط الإنسان بالإنسان الآخر، ويخلق الجو فيه عطاء متبادل للأفكار، وروح الكرم. تساعد العملية الإبداعية على إنشاء علاقات جديدة وتعزيز العلاقات القائمة في بيئة إنتاجية إيجابية. الفن يكافح الوحدة والعزلة، ويُحفز على العمل البنّاء، والذي يُعزز من شعور الانتماء نحو المجتمع.
الفن ليس مجرد نشاط فكري، بل هو جسر تكاملي يربط بين التعليم والثقافة والموسيقى لتعزيز حقوق الإنسان، إذ يتيح الفن فرصة العمل الجماعي والمساواة، ويسهم بما لديه من قدرته في إرساء أسس السلام وتوطيدها من أجل بناء المجتمعات سليمة.
الفن يتألف من أفكار يشترك فيها الناس ولها تأثير عاطفي يتشاركه الناس، يوفر الفن جو في بناء السلام في العالم، حيث إن للفن لغة عالمية تتحدث بها كافة الشعوب إضافة إلى أنه أداة مرنة وزهيدة الثمن لتحقيق أهداف السلام في العالم.