د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعدما أطلق الحوثيون العنان لوابل من أقوى الضربات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة على منشآت الطاقة الحيوية في السعودية في 20 / 3 / 2022 مما أدى إلى اندلاع حريق في أحد المواقع ووقف إنتاج النفط مؤقتا في موقع آخر، أعلنت السعودية أنها تخلي مسؤوليتها من أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من ميليشيات الحوثي الإرهابية، وكأن السعودية تطبق المثل على أهلها تجني البراقش.
بعدما رفضت السعودية التحدث عن زيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار، وترفض أن تشترك في العقوبات على روسيا، وهو بمثابة نقض للتحالف الموقع بين أعضاء «أوبك +» من أجل استقرار أسواق الطاقة، وترفض السعودية زج النفط في الصراعات الدولية، بين أمريكا والصين من جهة، والحرب الدائرة بين روسيا والغرب في أوكرانيا، وتود السعودية أن يكون لمنظمة «أوبك +» مظلة خارج التجاذبات، حيث معظم الصادرات السعودية والخليجية تذهب إلى الشرق، ومن أهم تلك السواق الصين والهند، في وقت تود السعودية أن تبقى علاقاتها مع أمريكا وأوروبا متينة.
كما أن توازن أسواق النفط يتطلب التعاون بين السعودية وروسيا، رغم أنها في حالة اشتباك مع الغرب، ولكن هذا الاشتباك مؤقت وسينتهي، لكن يبقى التنسيق بين السعودية وروسيا حول قيادة أسواق الطاقة سيستمر لفترة طويلة من الزمن، على أقل تقدير إلى منتصف هذا القرن الحالي.
فهامش المناورة في سوق الطاقة سينعكس على مستقبل أسواق الطاقة، وهي نظرة مستقبلية أكثر منها نظرة آنية أو قاصرة تصب في صالح العالم أي لأنها تصب في صالح الدول المنتجة والمستهلكة، وترفض السعودية وضع النفط كأداة سياسية ستضع منطقة الشرق الأوسط في حالة عدم استقرار، ويجب التفريق بين المرحلة الحالية ومرحلة الحرب الباردة عندما كان الغرب هو المستورد الرئيس للنفط، لكن اليوم يجب أن تكون علاقة السعودية متوازنة من خلال علاقة جيدة مع كافة القوى الكبرى مع الشرق والغرب دون تحيز، خصوصا بعدما أصبحت الأسواق الرئيسة في الشرق، فتصدر السعودية للصين يوميا خلال شهري يناير وفبراير 1.81 مليون برميل، فالجميع شركاء للسعودية.
كل المحللين يجمعون على أن طفرات أسعار النفط تعود للعوامل الجيوسياسية وحدها، وليس هناك نقص في المعروض، كذلك الغرب يتحمل الأخطاء التي ارتكبها، وسبق أن حذرت السعودية من المبالغة في التحول نحو الطاقة النظيفة الذي أقدم عليه الغرب وطالبت في أن يكون التحول تدريجياً مدروساً، والمطالبة بتحويل الاستثمارات من الطاقة إلى الأحفورية جعل هناك افتقار إلى اكتشافات جديدة للنفط والغاز، مما يضعف قدرة الأسواق على مواجهة الأزمات، وخصوصا أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي متأرجح يجعل اختلاف طاقاتها على المدى الطويل، حيث لا يزال الانضباط الرأسمالي قائماً لمنتجي النفط الصخري الأمريكي بسبب اختناقات التوريد ونقص العمالة، كما انخفض الانفاق لدى الشركات النفطية الكبرى في الاستكشاف من 40 في المائة عام 2010 إلى 25 في المائة.
تتجه الأنظار إلى اجتماع «أوبك +» في 31 مارس 2022 وسط توقعات باستمرار المنتجين باتباع سياسة الزيادة التدريجية للإمدادات في الوقت الذي تؤثر فيه العوامل الجيوسياسية في ارتفاعات الأسعار، و»أوبك +» تفعل كل ما تراه ضروريا لدعم الاستقرار في أسواق النفط والغاز العالمية، ولكن هناك قناعة بأن السوق مزودة بشكل جيد، وأن طفرات الأسعار تعود للعوامل الجيوسياسية وحدها، ولذلك تميل التوقعات إلى أن التحالف لن يغير استراتيجيات الإنتاج والتصدير الخاصة به، كما سيحافظ التحالف على الشراكة مع الوجود الروسي المحوري في المجموعة الذي يقود المنتجين من خارج «أوبك»، رغم ذلك تبقى «أوبك» تحتفظ بقدرة إنتاجية احتياطية صحية (السعودية ودولة الإمارات اللتان تتمتعان بقدرة إنتاجية أعلى وطاقة احتياطية واسعة رغم ذلك تحرصان على العمل الجماعي والتوافق داخل التحالف).
وستبقى صمام أمان الطاقة في حالة حدوث أزمة عالمية، ويمكن الاعتماد على «أوبك +» في حالة حدوث مشكلة جيوسياسية أو تقنية مفاجئة تمنع تدفقات الطاقة، فهناك إجماع على استدامة «أوبك +» لتجنب مفاجآت ظروف المستقبل.
ما جعل السعودية تقدم على إطلاق مؤتمر دولي لتقنية البترول في الرياض برعاية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحضور 70 دولة و300 شركة عالمية في 20 / 2 / 2022 لبحث تعزيز التعافي العالمي من خلال الطاقة المستدامة، فالوباء جعل العالم يتعلم توخي الحذر، وأن تركيز العالم على الطاقة المتجددة فقط سيكون خطأ فادحا، لأن الاقتصاد العالمي يتطلب مختلف مصادر الطاقة لتطوير الاقتصاد.