د.عبدالله بن موسى الطاير
الرئيس الأمريكي بايدن وقف على حدود بولندا مع أوكرانيا يخطب في جنوده واصفا الجيش الأمريكي بأنه الأعظم في تاريخ البشرية وأنه يدافع عن الديموقراطية والعالم الديموقراطي في وجه العالم السلطوي. ولا تخفي أمريكا ومعها 35 دولة ممن يعتنقون العقيدة الليبرو- ديموقراطية أنهم يدافعون عن القيم التي يؤمنون بها. روسيا مثلت تحديا للعقيدة التي يؤمن بها الغرب، فهبت دولها بكل ما تملك، لتسليح واستقبال ملايين اللاجئين من الأوكرانيين.
بالمقابل، يمثل الجيش السعودي أنبل الجيوش منذ نهاية الخلافة الإسلامية الحقيقية، لأنه يدافع عن مقدسات المسلمين وعقيدتهم، ويمثل الحوثيون تهديدا أيديولوجيا وعسكريا للمنطقة وقيمها الراسخة، وهم لا يخفون هدفهم الحقيقي وهو السيطرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة. هذا الخطر الأيديولوجي الذي ابتلع العراق، واستعمر القرار في لبنان، وتغلغل في مفاصل البنية السكانية السورية، يحاول الآن جاهدا امتطاء اليمن لتحرير مكة والمدينة من البريطانيين والأمريكيين والإسرائيليين كما يروج بين أتباعه.
لا شك أن عاصفة الحزم بعثرت أحلام ولاية الفقيه في اليمن، ولكن سبع سنوات من الحرب واستكنان اليمنيين للحكم الاثني عشري إما خوفا، أو طمعا، أو ترقبا لما تؤول إليه الأحداث للاصطفاف مع المنتصر، قد مكّنت للمليشيا الحوثية الإرهابية، وقدمتها للعالم. وأيا كانت الدوافع، ومهما كان المظهر الذي عليه الحوثي الآن، فإن هدف المملكة لم يتغير منذ دشنت عاصفة الحزم لإعادة الشرعية، ولن يتوقف الإصرار السعودي حتى تعود الشرعية للعاصمة صنعاء، أو يتوصل اليمنيون أنفسهم إلى توافق لا يكون الحوثي المسلح جزءا منه بأي حال من الأحوال.
قد يدفع البعض بأن الهجمة الحوثية الشرسة على الأعيان المدنية السعودية إنما هي ورقة حوثية يأتون بها إلى مائدة الحوار اليمني - اليمني في الرياض لفرض رؤيتهم، إلا أن سلوك الحوثي وعدم امتلاكه قرار السلم والحرب يطعن في دقة هذه الفرضية.
إن الاكتفاء برود الفعل بعد كل مسيرات وصواريخ حوثية على الأعيان المدنية لا يمكن أن يحل المشكل المتفاقم، كما أن الحوثي لن يحضر بجدية إلى أي حوار إلا مدفوعا بانتصار مؤزر يفرض بموجبه شروطه، أو مهزوما يحضر لتوقيع وثيقة الاستسلام. أي حضور للحوثيين خارج هاتين الحالتين لن يفضي إلا إلى المزيد من ضياع الوقت والفرص.
كمية الغضب السعودي بسبب المسيرات الحوثية الأخيرة لا يتسع له ضبط النفس، فقد بلغ السيل الزبى، وآن الأوان لتأديب الحوثي بعيدا عن المخاوف من ردود الأفعال الغربية الغارقة في الحرب الروسية على أوكرانيا. وإذا كان الهدف واضحا بمنع تشكل حزب الله جديد على حدود بلادنا الجنوبية فلنعمل على تحقيقه مهما كلف الأمر، وقبل العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي مع إيران، وقبل حسم النزاع الروسي - الأوكراني.
إن بقاء اليد ممدودة للسلام لا يعني عدم العمل على تحييد خطر الحوثي الحالي والمستقبلي، وهذا التحييد لن يتحقق بانتظار موقف دولي تخاذل وعجز عن تنفيذ قرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع رقم 2216 المطروح للتنفيذ منذ سبع سنوات. ولن يتحقق هذا التحييد الآني والمستقبلي لخطر الحوثي الاستراتيجي بالضربات الجوية مهما كانت موجعة، ولكنه يتحقق بتحرير صعدة من قمم جبالها إلى سواحلها على البحر الأحمر، بإخراج الحوثي المسلح منها، وليس على نحو مؤقت، وإنما إلى الأبد. حصول هذا بأي ثمن كان هو الضمان لعدم تشكل حزب الله مسلح على حدود المملكة الجنوبية، ويجب أن تتفهم أية حكومة يمنية قادمة أن صعدة والحوثي خط أحمر يمس صميم الأمن السعودي.
أعرف طبيعة صعدة الجغرافية، ولكن المصلحة المتأتية من تحريرها وبسرعة، وبأي تكلفة هو مفتاح السلام في اليمن، وإذا كان لا بد من ركوب المصاعب فليكن ذلك عاجلا، وإذا كان لا بد من صعدة فليكن ذلك الآن.