عطية محمد عطية عقيلان
الكذب آفة ينطوي تحتها العديد من الصفات والسلوكيات التي يمارسها الشخص «الكذاب» بدءًا من تأليف القصص والحكايات والتهم والتجني على الآخرين، مع ادعاء المظلومية ونكران جميل منهم، وتبدأ الكذبات بمزحات وقفشات ومن ثم تتحول مع الممارسة إلى عادة يتصف بها «الكاذب» وتصبح ملازمة لما يقوله ويصفه حتى في الحكايات الجدية، وأسوأ شيء نقوم به التبرير لكذباتنا في كثير من الأحيان تحت مظلة بأنها مجاملة وغير مؤذية وكذبة بيضاء وهي من باب التسلية والضحك، ولكن الحقيقة الكذب مؤذ للنفس أولاً وللآخرين خاصة فيما يمس سمعتهم وعملهم وأمانتهم وأخلاقهم، ودوما نسمع القصص والحكايات «الكاذبة» يعتريها الزيادة بغرض التشويق والإثارة والجذب حتى ولو كان قائلها نفس الشخص، لذا يقال إذا كنت كذوبا فكن ذكورا، أي تذكر الأحداث حتى لا يفتضح كذبك علما أن حبل الكذب قصير مهما طال الوقت، وتبدأ الكذبة صغيرة وتكبر مع إعادتها وقصها على الآخرين، وتذكر مقولة مارتن لوثر «الكذبة كرة ثلجية، تكبر كلما دحرجتها»، وميزة عصرنا الحالي سهولة اكتشاف كذب الأشخاص وتناقضهم ومبالغتهم في الوصف، لا سيما عندما يتحدثون عن أنفسهم وإنجازاتهم وعملهم الخيري والإنساني، وبعضهم يعتمد على تكرار الكذبة حتى تتحول إلى حقيقة، وقد يتوهم مع التكرار بأنها صحيحة، لذا يقال في وصفهم «كذب الكذبة وصدقها»، ونرى ذلك في أنفسنا عند ادعاء الطيبة والمظلومية والإنسانية ونبدأ نقتنع ونصدق ذلك ونتوهم أننا دوما الطرف المظلوم والمهضوم حقه، علمًا أن الحقيقة بتجرد بأننا نتحمل ونقوم بجزء من ظلم وهضم حق الآخرين، ولكن المبررات والتهوين لأخطائنا وكذباتنا، يمنحنا الراحة ويحولنا إلى ضحايا بتبرير خداعنا وكذباتنا على الآخرين.
وتطلق في الأول من شهر أبريل، ما يعرف بمزحة أو كذبة أبريل، وذلك بغرض التشويق والضحك ولفت الانتباه والتسلية، ومهما كان التبرير سيظل الكذب صفة سيئة للخبر أو للشخص الذي يتصف بها، وظهر مع وسائل التواصل الاجتماعي طريقة حديثة للكذب، تطورت وتعدتها ولم تعد ترتبط بتاريخ محدد بل طيلة أيام السنة، وهي ما يعرف بـ»الهبد»، وهو مرحلة متقدمة وأعلى درجة من الكذب، وتتمثل في إطلاق خبر أو قصة أو التعليق عليها بطريقة تعتمد على فهمنا واستيعابنا وتحليلنا وكأنه حقيقة، ومن ثم الادلاء برؤيتنا والهبد بالحكم ووجهة النظر والرأي فيه، حتى لو كان الموضوع به جانبي علمي أو قانوني أو تاريخي لا يحتمل وجهة نظرنا القاصرة، ونلاحظ ذلك كثيرا عند استضافة مفكرين وأدباء ونقاد ومحللين، وطرح رؤيتهم وتعليقهم على الأحداث، بممارسة «الهبد» بصورة واضحة ويقولون أي كلام وأي تفسير المهم أن بقول رأيه ويصدر حكمه، والمضحك في بعضهم أنه يحمل دكتوراه مزيفة أو مزورة أو من جامعة غير موجودة، ويزعل إذا تم مناقشة أمورهم الشخصية لتكوين رأي عن قيمتهم العلمية، لأن اكتشاف كذبهم في شهاداتهم سيوجد حاجزا ومصدا بعدم تصديق هبدهم، فماذا نتوقع من مزور شهادة، أو سارق كتاب ونسبه لنفسه، ومنظر يفتي ويفهم في كل شيء. ولم يقتصر «الهبد» على العوام فقط، بل التحق بالركب بعض العلماء والأطباء والمثقفين..، وتنوعوا بين الشعبويين الذين يريدون أن يكسبوا أكبر شريحة من الناس أو أصحاب القناة، وذلك ببث الأخبار التي تناسبهم ولو كانت مخالفة للحقيقة والعلم، وبين الصداميين مع كل شيء في المجتمع من باب «خالف تعرف»، واستخدم الطرفان بلا حدود «الهبد» بالتحليل وإبداء الرأي بأي كلام , أي خبر، معتمدا في كثير من الأحيان على موسوعة «كيسبيديا» الشخصية والمضللة، المهم أن أقنع الناس حتى لو عكس الحقيقة والعلم، ونختم بمقولة للكاتب الفرنسي اندريه جيد «المنافق الحقيقي هو الذي لا يدرك خداعه، لأنه يكذب بصدق».