عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كنتُ ذات مسَاء أنتبذُ مكانًا من المنزل بعيدًا عن صهيل الحركة وصخب الحياة، حين فاجأتني نفسي متسائلةً عن بعض رفاق الدراسة الجامعية في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية الصّاخبة بحلو الحياة ومرّها!
* * *
* أحسَرني السؤالُ وسرّني في آن، رغم الشّجن المقترن بذلك السؤال لم يغادر الوجدان بعد! أما أن استعرضَ عبر السطور التالية بعضًا من ذكريات تلك المرحلة من حياتي في لوس أنجلوس فأمرٌ ليسَ باليَسير عليَّ لسببيْن:
أولاً: أن الردَّ على السؤال يتطلبُ حضورًا نشطًا للذاكرة، والتنقيب في مجاهلها بحثًا عن ذكريات تجاوَز عمرُ بعضها الآن أربعين حولاً!
* * *
ثانيًا: أنني قد بلغتُ لحظتَئذٍ سنينًا عددًا تسَللّت خلالها (أرْضةُ النسيان) إلى الذاكرة، وصادرت من تجاويفها بعضًا من دقيق الوقائع وجليلها! يرتبط بعضُها برموز إنسانية أحمل لهَا قدْرًا غير هيّن من الإعجاب والتقدير، يأتي في مقدمة تلك الرموز صديقُ العمر المتعدّد المواهب والقدرات، معالي الصديق الراحل الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، تغمده الله برحمَته ورضوانه، وصديق عملاقٌ كهذا يخجل النسيان أن يرتبط به!
* * *
* وتلك المرحلة الثمينة من حياتي جزءٌ هام من خارطة العمر لا تُنسَى في تلك المدينة الصاخبة بكل شيء بعضُها كان قاسيًا بمقاييس الزمان والمكان! وشاء الله أن تأتي تلك الفترة (امتدادًا) لـ(هجرات) متواصلةٍ بدأت من (عقبة ضلع) في عسير وأنا في طريقي إلى جازان لألحق بسيدي الوالد، طيّب الله ثراه! وما تلاها من (هجرات) بعضُها على ظهر بعير تهاميّ، أو في سيارة عافها الزمان والمكان.. حتى استقرَّ بي الحِلُّ والترحالُ بعد قسْمة طويلة من العُمر في مدينة لوس أنجلوس المطلّة على المحيط الهادي.. من بلادي الغالية للدراسة الجامعية، لم يكن لتلك الرحلات (بوصلة) مدروسة تحميني من شقائها! لكنّه القدرُ الأجمل والتدبير الربّاني الأعظم منحاني الصبر والأمل والسلوان ترقّبًا لما هو أفضل، ليُبدّلني ربّي الله من بعد عسري يُسْرًا، فَاعْبُرَ إلى برّ السلام والأمان والنجاح وأجد نفسي تُعانقُ مسَارَ الحلم الموعود. عندئذٍ فقط، بقُدرة الله وتوفيقه، عرفتُ لأول مرة بعضَ ما أتمنّاه في حاضري المُعيش وغدي المنتظر، والحمدُ لله.. من قبل ومن بعد!