محمد سليمان العنقري
رغم تقدم نظم الحماية في التقنية الحديثة وكذلك حملات وبرامج التوعية التي تقدمها الجهات الرسمية، إلا أن أساليب الاحتيال لا تتوقف وتتطور أيضاً، خصوصاً مع انتشار الإنترنت والعدد المهول من المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي. وما زال يقع ضحية هذه الأساليب أعداد لا يستهان بها وبمبالغ كبيرة نسبياً على مستوى العالم وتقدر أحجام عمليات الاحتيال بعشرات المليارات من الدولارات عالمياً ولا تكاد دولة تخلو من استهداف المحتالين عبر التقنية، فهي توفر لهم طريقة سهلة لسرقة أموال الناس عبر ترويج استثمارات وهمية، مستخدمين فيها كل الوسائل التي يمكن أن تقنع البعض بأنهم صادقون فيما يقدمونه من فرص وفي الوقت الذي كانت طرق الاحتيال قديماً تحتاج لمهارات تواصل مباشر وتأسيس مكاتب لشركات يذهب لها الناس ويودعون أموالهم لديها وتكتب عقودا جميعها تصبح بلا قيمة بعد أن يهرب المحتالون بالأموال لدول لا يمكن الادعاء عليهم فيها أو جلبهم عبر الشرطة الدولية، نظراً لأسباب عديدة كأن يغيروا جنسياتهم وأسماءهم وتكون الدول التي يذهبون لها هشة بأنظمتها والفساد الإداري فيها، فإن التقنية في عصرنا اليوم استغلوها بأساليب حديثة لا تعرف معها أي اسم أو معلومة حقيقية يمكن أن تستدل بها على المحتالين بالوسائل الحديثة.
حقيقة ما يدفع للحديث عن خطر طرق الاحتيال الحديثة هي زيادتها والأخطر استخدامهم لأسماء مؤسسات أو كيانات حكومية مرموقة وموثوقة من سكان الدولة التي يستهدفونها، فمثلا استخدموا سابقا اسم المؤسسة العامة للتقاعد التي دمجت حالياً مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في دعايات يقولون فيها إن المؤسسة تعلن عن طرحها لفرص استثمارية ومن ثم يطلبون إدخال البيانات وبعدها يطلبون تحويل الأموال لحسابات معينة وبعد فترة إذا أوقعوا عددا من الضحايا اختفوا وغيروا اسم الجهة التي يروجون من خلال انتحال هويتها لأدوات احتيال جديدة وقد قامت المؤسسة العامة للتقاعد مشكورةً بإصدار بيان يحذر من تصديق مثل هذه الدعايات وأنها أساليب احتيال وأخذت كل الإجراءات الضرورية لمنع مثل هذا الانتحال لشخصيتها الاعتبارية، ولم تتوقف أساليبهم بانتحال أسماء مؤسسات وصناديق حكومية كبرى أو استخدام أسماء مسؤولين بأنهم يزفون بشرى للمواطن بفتح فرص للاستثمار وما إلى ذلك من عبارات تستهدف إيقاع الناس بفخ الاحتيال وتبذل كما ذكرنا الجهات الرسمية جميعها جهداً بمكافحة هذه الأساليب والتوعية بمخاطرها وزيف مثل هذه الدعايات الخادعة.
ومن هنا فإن المسؤولية تقع أيضا على الفرد بضرورة أن يعرف بأن هناك طرقاً للتأكد من أن تلك الدعايات ليست إلا للاحتيال عليه فمن المعروف والمسلم به أن الجهات الحكومية كمؤسسة التأمينات الاجتماعية أو أي صندوق حكومي كصندوق الاستثمارات العامة أو الصناديق التنموية أو أي جهة اقتصادية رسمية لا تستلم أموالا من الأفراد فالتأمينات الاجتماعية تستثمر فقط استقطاع المشتركين فيها من الموظفين بالقطاع العام والخاص أي ليست بنكا تحاريا ولا مؤسسة مالية مرخصة من هيئة سوق المال فهي مؤسسة حكومية لها مهام مختلفة ومحددة، كما أن صندوق الاستثمارات العامة يستثمر أموال الدولة فقط لا يستقبل أو يدير أموال الأفراد ولذلك فإن أي دعايات تنتحل اسم هذه الجهات الرسمية يجب أن يعي الفرد بأنها دعايات ومواقع نصب واحتيال، بل إذا تمكن من الإبلاغ عنها، فهذا يساعد بالحد من ضررها كما أنه إذا ظهر إعلان بأن هناك فرصاً استثمارية يضعونها تحت اسم مسؤول معروف فإنها أيضا من أساليب الاحتيال، فالجهات المخولة بطرح فرص استثمارية للأفراد أو استقبال ودائعهم هي شركات أو مؤسسات قطاع خاص مرخصة من الجهات الوسمية كهيئة سوق المال أو البنوك التي ترخص فقط من البنك المركزي السعودي وبإمكان أي فرد التحقق من مصداقية أي فرصة استثمارية بالتأكد من نظامية الجهة الخاصة التي عرضتها عليه من خلال التواصل المباشر من خلال مواقع تلك المنشآت المرخصة وأرقام الاتصال بهم المنشورة، كما يضاف لذلك طرق احتيال برسائل نصية خادعة تطلب تحديث معلومات حساباتهم أو تقديم خدمات معينة، فقبل التجاوب معهم بإمكان الفرد أن يتصل على البنك الذي يتعامل معه أو الشركة المستخدم اسمها للتأكد من صحة ما عرض عليه.
اغلب طرق الاحتيال تقوم بها عصابات دولية محترفة لمثل هذه العمليات وتبذل الجهات الرسمية التي يستخدم بعض المحتالين هويتهم جهوداً كبيرة بالتوعية والتحذير من أساليب الاحتيال بمختلف طرقها وأنواعها ولكن يبقى على المؤسسات المالية والبنوك التجارية وأي شركات مرخصة لإدارة استثمارات دور بالتوعية أيضا لأن زيادة حالات الاحتيال تؤثر على الثقة بما يطرح من فرص حقيقية بالسوق بالإضافة إلى أن للأفراد دورا مهما بعدم التجاوب مع هذه الإعلانات والتبليغ عنها والتدقيق بكل ما يعرض عليه وألا يعتمد أو ينشر أي معلومة أو تصريح ينسب لمسؤول إلا بعد التأكد من نشره عبر المواقع والحسابات الرسمية والموثوقة، فالوعي مسؤولية الفرد أولاً وأخيراً وكل الجهود التي تبذلها الجهات الرسمية بالتوعية هي تكاملية مع ضرورة أن يكون الفرد دقيقاً وواعياً في التعامل مع أي فرصة استثمارية تعرض عليه حتى يتأكد أولاً من مصداقيتها وبعد ذلك من جدواها إذا كانت صادرة من جهة مرخصة.