الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
خلق الله تعالى البشر متفاوتين في الطباع والأفهام، وهذه سنة الله في خلقه. وقد وضع الإسلام من الأسس والضوابط، وطرق العلاج بما يضمن تحجيم الخلافات، وتضييق الانقسامات لتدوم المحبة والسلام والمودة والرحمة والتقدير. وسلامة الصدر جاء الترغيب فيها بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة لأنها من أفضل الأعمال باعتبارها صفة من صفات أهل الجنة، وميزة من ميزاتهم.
وتناول اثنان من المتخصصين في العلوم الشرعية موضوع سلامة الصدر هذا المنهج الجميل والسلوك النبيل، وأسبابه، وأهمية ترسيخه في المجتمع.
طهارة القلوب
يشير فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن محمد المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام أن معيار الأفضلية عند أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان بطهارة القلوب، لا بكثرة العبادات، ولا بتنوع الطاعات، قال إياس بن معاوية، في وصف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «كان أفضلهم عندهم، أسلمهم صدرًا، وأقلهم غِيبة»، ولقد كانت سلامة الصدر لدى الرعيل الأول، لا تختص بالرجال دون النساء، فلما وقعت حادثة الإفك، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ زَيْنَبَ عَنْ أَمْرِي، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: ((يَا زَيْنَبُ، مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟)) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا. رواه البخاري في صحيحه، وفي مستدرك الحاكم، قالت عائشة رضي الله عنها: دعتني أُمُّ حبيبة عند موتها، فَقَالَتْ: «قَدْ كَانَ بَيْنَنَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ فَغَفَرَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتَجَاوَزَ وَحَلَّلْتُكِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَرَّرْتِنِي سَرَّكِ اللَّهُ، وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ.
لقد تعاهد سلفنا الصالح -رحمهم الله-، سلامة صدورهم، وطهارة قلوبهم، واهتموا بذلك أشد الاهتمام، ففي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي: قال الحسن بن عبدالله الخِرقي: بتُّ مع أحمد بن حنبل ليلةً، فلم أرَه ينام إلاَّ يبكي إلى أن أصبح، فقلت: يا أبا عبدالله، كثُر بكاؤك الليلة، فما السبب؟ قال أحمد: ذكرتُ ضَرْب المعتصم إيَّاي، ومرَّ بي في الدرْس قوله -تعالى-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فسجدتُ وأحللتُه مِن ضرْبي في السُّجود، وكان يقول: العفو أفضل، وما ينفعك أن يُعذَّب أخوك المسلِم بسببك، لكن لتعفُ وتصفحْ عنه فيغفر الله لك كما وعَدَك» يريد قول الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
تسوية الصفوف
ويؤكد الدكتور ماهر المعيقلي أن الشريعة المباركة جاءت، بالمحافظة على تصفية القلوب، وسلامة الصدور، ووحدة الصفوف، فأمر -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف في الصلاة وقال: ((عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ))، قال النووي رحمه الله: أي: «يُوقِع بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ الْقُلُوبِ»، وفي الصحيحين: ((لَا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطِبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ))، وفي لفظ مسلم: ((وَلَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ))، كل ذلك، للمحافظة على سلامة الصدور، بل مغفرة الله تعالى للعبد لا تحصل، إلا بسلامة صدره، فيا عبدالله، نق قلبك، يُغفر ذنبك، ففي صحيح مسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْانَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))، مشيراً إلى أن سلامة الصدر نعمة ربانية، ومنحة إلهية، ينتج عنها مجتمعٌ متماسكٌ لا تهزه العواصف، ولا تؤثّر فيه الفتن، بل هي من أسباب التمكين والنصر على الأعداء، {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِم}. قال القرطبي: «فائتلاف قلوب المؤمنين من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم»، وإن أصحاب القلوب السليمة، ليبلغون المنازل العالية، بنقاء قلوبهم، ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصلاتهم وصيامهم، فقد أخرج أحمد في مسنده، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، في الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، وتكرّر ذلك ثلاث مرات في ثلاثة أيام، فبات عنده عبدالله بن عمرو ثلاث ليال، ليعرف خبيئة هذا الرجل، فلم يره كثير صلاة ولا صيام، فسأله فقال: «مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وََا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ»، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، بين أن أفضليته بصلاح قلبه، ونقائه من الشرك والغل والحقد والحسد، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ))، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ:((هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ))رواه ابن ماجة.
ويشدد المعيقلي على الحاجة إلى صدور سليمة، وقلوب طاهرة، فليس أقر للعين، ولا أبعد للهموم والغموم، من أن يعيش المرء بقلب سليم، إذا رأى ما يكره من إخوانه، تغافل، قال عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ: قُلْتُ للإمام أحمد: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ، فقال الإمام أَحْمَدَ: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ، وإذا رأى المسلم نعمة تنساق لأخيه، قال: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر»، وإذا رأى غير ذلك، رثى لإخوانه، وتألم لألمهم، ودعا لهم، واجتهد في نصرتهم، وبهذا يحيا المسلم طاهر القلب، سليم الصدر، راضيًا عن الله، ناجيا من عقابه، فلا نجاة يوم القيامة إلا بسلامة الصدر، ولا فلاح إلا بطهارة القلب: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
ويضيف المعيقلي إن سلامة الصدر، خَصلة من خصال البر العظيمة، فحري بالمسلم أن يولِيَها عنايته واهتمامه، وخاصة في هذه الأيام، ونحن نستقبل شهر الصيام، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الفساد، فتقبل النفوس على الصفح والعفو والمسامحة، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَيُذْهِبُ مَغَلَّةَ الصَّدْرِ» قَالَ: قُلْتُ: وَمَا مَغَلَّةُ الصَّدْرِ؟ قَالَ: رِجْسُ الشَّيْطَانِ)) رواه الإمام أحمد في مسنده، وأن مما يعين على سلامة الصدر: الإخلاص لله تبارك وتعالى، والطاعة لولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، ففي مسند الإمام أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ، وَطَاعَةُ ذَوِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ)).
نعيم المؤمن
ويقول الدكتور خالد بن حمد الخريف الباحث الشرعي إن سلامة الصدر مما يندب إليه المسلم وهي من عاجل نعيم المؤمن ومن أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، والمراد به: عدم الحقد والغل والبغضاء؛ فسليم القلب والصَّدر هو من سَلِم قلبه من جميع أمراض القلوب وأَدْوَائها، ومن كلِّ آفة تبعده عن الله تبارك وتعالى.
قال ابن رجب: (أفضل الأعمال سَلَامة الصَّدر من أنواع الشَّحْناء كلِّها، وأفضلها السَّلَامة من شحناء أهل الأهواء والبدع، التي تقتضي الطَّعن على سلف الأمَّة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم، ثمَّ يلي ذلك سَلَامة القلب من الشَّحْناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، وقد وصف الله تعالى المؤمنين عمومًا بأنَّهم يقولون: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10])، وفي الحديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر)).
أسباب السلامة
ويذكر الدكتور خالد الخريف بعض أسباب سلامة الصدر:
1- الابتعاد عن الوقوع في الذنوب والمعاصي؛ لأنها أسباب كل شر، فعن أنس رضي الله عنه يرفعه: ((ما توادّ اثنان في الله عز وجل أو في الإسلام، فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما).
2- دفع السيئة بالحسنة، من أسباب سلامة القلوب، وقد جعل الله تعالى للمسلم مخرجاً من أعدائه: شياطين الإنس، والجن، فالعدو الذي يُرى بالعين وهو شيطان الإنس، فالمخرج منه: بالإعراض عنه، والعفو، والدفع بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} سورة فصلت، الآية: 34.
أما العدو الثاني فهو شيطان الجن، والمخرج منه الاستعاذة بالله منه، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة فصلت، الآية: 36.
3- الصدقة والإحسان ما أمكن؛ فإن لذلك تأثيراً عجيباً في سلامة الصدور؛ ولهذا بين النبي -صلى الله عليه وسلم-أن أفضل الصدقة: ((على ذي الرحم الكاشح)).
والمعنى أن أفضل الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر عداوته ويطوي عليها باطنه، وهو ذو الرحم القاطع الذي يضمر عداوته في كشحه: وهو باطنه، وخصره.
4- ترك العتاب على ما حصل من الأقرباء وغيرهم في الماضي، ونسيان كل خطأ وقع فيه بعضهم، فلا يعاتب على ما مضى؛ لحظ النفس.
5- طهارة القلب وسلامته من الغل والحسد من أسباب السلامة، وهذا أساس في سلامة الصدر، فيجب إخراج دغل القلب التي توجب ضيقه وعذابه: كالحسد، والبغضاء، والغل، والعداوة، والشحناء، والبغي؛ ولهذا أمثلة كثيرة منها، ما يأتي:
المثال الأول: ما أخبر الله به عن أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-، وبيانه سبحانه سلامة صدورهم من الغل، والحسد، قال الله تعالى:{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (9-10) سورة الحشر.
والمثال الثاني: ما بينه النبي- صلى الله عليه وسلم-في فضل ومكانة صاحب القلب السالم من الحقد والبغضاء والحسد، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: ((كل مخموم القلب صدوق اللسان))، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي، النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد).
والمثال الثالث: ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الرجل الذي شهد له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بالجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام، فتابعه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ ليقتدي به، فبقي معه ثلاثة أيام فلم ير عملا زائدا على عمله، ولم يقم من الليل شيئا, إلا أنه إذا استيقظ من الليل وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبره حتى يقوم لصلاة الفجر، ولم يسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال كاد أن يحتقر عبدالله عمل الرجل، فسأله وقال: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم -؟، فقال: ((ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه))، فقال عبدالله بن عمرو: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق).
وهذا كله يؤكد على كل مسلم أن يسأل الله -عز وجل- أن يطهر قلبه من الحقد، والحسد، والبغضاء للمسلمين، وأن يطهر لسانه من قول الزور، ومن كل ما يغضب الله -عز وجل-.