عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
كنت أبحث عنك.. ولا زلت.. أذكر أنني رأيتك ذات مرة في المنام، وشعرت بعد أن استيقظت أنك حقيقة ولست حلماً، بدأت أجوب الشوارع بحثاً عنك، لا أتذكر جينها ملامحك جيداً، ولكن عندي شعور أنني عندما ألمحك سأتعرف عليك، وتجمعنا صداقة دائمة، كان لدي إحساس أنك قابلتني ذات مساء وتحدثت معي، أحاول أن أتذكر مكان اللقاء، لكن ذاكرتي تخونني، أوقات أتوقع أن اللقاء كان في حفل زفاف، وكنت معي نشارك الرجال الرقص على صوت الطبول، قلت لي شيئاً في صخب الطبول وأصوات الراقصين، لم أتمكن من التقاط كلماتك، ولم أنتبه لهيئتك، وهذا ما أزعجني، لأنني غفلت عنك للحظات، ولم أجدك، غادرتُ حلبة الرقص لأبحث عنك، ربما عندما تراني، ستردد ما قلته لي قبل دقائق، ولم تصلني كلماتك، قد تعيد حديثك وسيكون واضحاً عندما نبتعد عن الصخب، ولكنك غادرت. أنا متأكد أنك كنت موجودًا وتشاركني مع عدد من الرجال الترنم بشعر العرضة، وتحريك الجسد من دقات الطبول، أنت اختفيت، ولم أعد أتذكر ملامحك، كما حدث لي عندما استيقظت من النوم، لأتذكر الحلم دون تذكر ملامحك.
كيف أكتب إليك وأنا لم أرك منذ ذلك الحلم الواهي في طفولتي، كيف أكتب عنك وأنا لا أتخيل ملامحك، كيف أكتب وأنا وأنت لم نلتق إلا في حلم ذات مساء، ووهم رجل شارك رقصة شعبية واختفى، كيف أكتب وربما أنت لا شيء، كائن غير موجود، ولكن وأقولها بكل صراحة، هذا غير الموجود، كان حافزاً لي لأتخيلك أحد أبطال قصصي ورواياتي، كنت أفكر فيك قبل أن أكتب، وأتخيل شخصية محددة وأرغب أن تكون هي أنت، وبعد أن أنتهي من الكتابة، ويصل ما كتبته إلى القارئ، أفاجأ أنني لم أوفق بالكتابة عنك أو الوصول إليك، فأقرر البحث من جديد، أجوب الشوارع مشياً عندما كنت صغيراً متجهاً إلى أماكن أعرف أن فيها شيئًا من المتعة لي، أتنقل بين المدن عندما كبرت، بحثاً ربما عنك، أو أملاً أن أقابلك في مكان عام، لدي شعور منذ كنت صغيراً أنك موجود، وليس طيفاً جاء في حلم، لم أحدث أي صديق عنك، خوفاً من غضبك عندما ألتقيك، ولكن الآن يئست من لقائك، وها أنا أوجه هذه الرسالة إليك، ليس بحثاً عنك، ولا رغبة في أن أجدك، وتقابلني بغضب لتعاتبني لإفشاء سر بيننا، أنا الآن أصبحت أكثر قوة، لدي كثير من الأصدقاء، وعذراً قبل أن تقول إن أصدقائي تعرفهم، أقول لك، أصدقاء الواقع علاقتي بهم تخصني وهم لا يؤثرون مطلقاً على أصدقائي الآخرين الذين أعتبرهم مهمين لي، لا تستغرب، الأصدقاء حصيلة علاقات طويلة دامت سنوات تفرغت بها للقراءة والكتابة، بالطبع أصدقاء يفوق عددهم المئات، أعرف أشياء كثيرة عن أغلبهم، بالطبع أصدقاء الواقع يختلفون، فليس كل صديق يكون كتابًا مفتوحاً أمامك تعرف تفاصيله، بل تفاجأ بصفحات بيضاء، ربما يطلب منك ذاك الصديق تعبئتها، فتخاف أن تملأها بالسواد، فتفضل إبقاء البياض الذي يتحول فيما بعد إلى لون رمادي يزعجك، عموماً أصدقاء الخيال بالذات ممن عشت معهم أثناء كتابة قصصي ورواياتي ومسرحياتي كانوا يشعرونني بعدم الوحدة، ولو هجرت الناس جميعاً، ولكن لا زلت أفكر، وبعد كل تلك لسنوات لماذا لم تظهر لي في أي مكان أو زمان، لأشعر بالراحة لأنني وجدتك، وأكف عن معاناة البحث.
نسيت الحلم، ونسيت تلك المناسبة التي شعرت أنك كنت حاضراً فيها، ولم تكن الأولى والأخيرة، بل تكررت مناسبات الفرح وأيضاً الحزن، وفي كل مرة أتوقع أنني سأقابلك، ولكن لا أدري هل سأقابلك في الحلم، أم في الواقع، أم عندما أقرر أن أكتب، وها أنا أكتب الآن وليس لدي أي إحساس أنني سأصل إليك، هل أواصل الكتابة، أو أكتفي بالقراءة، هل أواصل بحثي بين الأصدقاء والناس الذين أراهم في الشوارع والأماكن العامة، ربما تكون بينهم، وحينها أطلب منك أن تعيد ما قلته في ذلك الحفل ولم أسمعه بصورة جيدة بسبب أصوات الرجال الذين يترنمون بمقاطع من قصيدة شعبية، وأصوات الطبول الصاخبة، صدقني أخاف أن أراك وينتهي طموحي في البحث عن المجهول.