علي الدميني مرآة سحرية صلبة وناصعة.. نابضة بكل عنفوان الحياة وانتصاراتها، وبكل خيباتها وانكساراتها، وعندما تنظر إليها بعمق تبهرك بجميع الأطياف المدهشة، لتتبدى لك ألوان رصينة من إبداعاته الجميلة، في الشعر والرواية والنقد، وفي ثنايا كل هذه الألوان الأدبية تفاجئك الدهشة، وتقفز في ذهنك الأسئلة عن سر هذه الروعة فيما يقدم من إنتاج مكتنز بالفكر القادر على كشف خبايا تلك البراءة التي تنطوي عليها نفسه، وهو إن كتب شعراً، أو رواية أو نقداً، فإن لديه ذلك الحس الإنساني المرهف، الذي يمكن أن يتأثر بأقل العوامل تأثيراً على غير، والعجب أنها رهافة قادرة على التصدي لقسوة الظروف في زمن السجن وأزمنة الحرية.. على اختلاف محطات حياته المكتنزة بالهم الإنساني العام، منذ بواكير موهبته التي تفتقت على مقاعد الدراسة. ومنذ مكابدته للواقع على صفحات «المربد» و»النص الجديد»، وتصديه لملامح الانهزام المتفشية في المجتمع، إلى أن رست سفينة إبداعه في ميناء الشعر بصدور ديوانه «رياح المواقع» فكانت البداية التي تلتها مرحلة التوغل رحلة الإبحار إلى عالم الشعر، بعدد من الدواوين الشعرية التي رسخت أقدامه في طريق هذا الفن الجميل، رافعاً راية الحداثة ليرضي نزعته للتجديد، دون أن يأخذ رضا الآخرين في الحسبان، عندما واجه وزملاؤه في هذا الاتجاه موجات مكثفة من سخط المتزمتين القابعين في أقبية التقليد والخوف من كل جديد، ثم أفرزت تجربته المريرة روايته «الغيمة الرصاصية» دون مهادنة للواقع أو الانكفاء في ظل منجزه الإبداعي، حين أقدم على تحديد موقفه تجاه كثير من قضايا المجتمع والوطن والأمة، وكان قدره أن يعزف على أوتار المعاناة ليبث آلامه على بياض الأزمنة بحثاً عن حرية القول والعمل.
مما قلته في مقدمة كتاب «في الطريق إلى أبواب القصيدة» الذي أصدره نادي المنطقة الشرقية الأدبي بمناسبة تكريمه:
(علي الدميني واحد من هؤلاء الذين كانت مواقفهم ولا تزال، نبراساً يقتدى به في العمل الوطني الجاد، وفي الإبداع الأدبي الجميل، وفي المواقف الإنسانية المتميزة، وسيرته حافلة بالمنجز الفريد، منذ ان كان طالباً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حين لفت الأنظار بإبداعه الشعري المبكر، وبمواقفه الوطنية الصادمة، لواقع احتضنته الرتابة وأحاطت به المحاذير، رغم ما يعتمل في داخله من تفاعل مع أحداث خارجية غيرت خارطة المنطقة في السياسة والفكر والأدب، وهو المثلث الذي كان يشغل جيلاً أفرز نخبة من الناشطين في العمل الوطني الجاد، والساعين للإصلاح وفق رؤية عصرية طموحة، وعلي الدميني أحد الأسماء في هذه النخبة الرائدة). وفي هذا الكتاب العديد من الدراسات والقراءات النقدية والشهادات عن تجربته الشعرية والثقافية.
وكان الوطن دوماً رفيق دربه، ومشكاة حياته، حمله في حله وترحاله، وفي سقمه ونجاته:
ولي وطنٌ قاسمتُهُ فتنةَ الهوى
ونافحتُ عن بَطْحائِهِ من يقاتلهْ
إذا ما سَقاني الغيث رطباً من الحيا
تنفّسَ صبح الخيل وانهلّ وابلهْ
تمسّكتُ من خوفٍ عليه بأمتي
وأشهرتُ سيفَ الحب هذي قوافلهْ
هذا هو علي الدميني الذي لا تملك إلا أن تحترمه سواء اتفقت معه أو اختلفت، إنها صفة الإنسان الذي يحترم نفسه، فيحترمه الآخرون أكثر.
** **
- خليل إبراهيم الفزيع