د. عبدالحق عزوزي
وفقًا للمجلس الدستوري، سيتمكن 12 مرشحًا من خوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أي بزيادة مرشح واحد عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2017. وتضم هذه اللائحة 8 رجال و4 نساء.
وقد تمكن جميع المرشحين البارزين من جمع التوقيعات المفروضة وهم: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مرشحة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو، مرشح «فرنسا الأبية» جان لوك ميلنشون، مرشحة «التجمع الوطني» مارين لوبان، مرشح حزب «استعادة فرنسا» إيريك زمور، ومرشح حزب الخضر يانيك جادو... إضافة لهؤلاء، سيخوض الانتخابات كل من نيكولا دوبون - إينيان، وجان لاسال، وفبيان روسيل، وناتالي أرتو وفيليب بوتو. كما تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين المنتخبين الذين يحق لهم تقديم تواقيعهم دعماً للمرشحين الرئاسيين هم رؤساء البلديات، ورؤساء الدوائر البلدية في المدن، ونواب رؤساء البلديات المفوضون، وأيضاً أعضاء مجلس الشيوخ ونواب الجمعية الوطنية والمستشارون الجهويون والإقليميون، وكذلك النواب الفرنسيون في البرلمان الأوروبي.. وستنطلق الحملة الرسمية للانتخابات الرئاسية في 28 آذار/ مارس، حيث يطبق مبدأ المساواة في الأوقات المخصصة للمرشحين على وسائل الإعلام بشكل صارم، كما سيحصل هؤلاء المرشحون على دعم مالي لحملاتهم الانتخابية بقيمة 200 ألف يورو.
وهاته الحملة الانتخابية هي حملة صعبة جداً تطغى عليها الحرب في أوكرانيا وأزمة غلاء المعيشة، ولكن مع ذلك يبقى الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون الأكثر حظاً للفوز بولاية رئاسية جديدة...
فقد قام هذا الأخير منذ أيام وبحضور جمع كبير من الصحافيين الفرنسيين والأجانب، بعرض الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي. وقال الرئيس المرشح إنه يرى أن العالم الآن عند «مفترق طرق» وأن فرنسا بوسعها أن تصنع فارقاً، وتعهد بأن يقود بلاده ليعبر بها مما سماه بزمن أزمات جديد إذا فاز بولاية رئاسية ثانية...وقد كانت ولاية الرئيس ماكرون الأولى مليئة بالأحداث خاصة ظاهرة السترات الصفراء كتعبير عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر منها فرنسا. وقد كان ماكرون أصغر رئيس عرفته فرنسا على الإطلاق، وصعد وزير الاقتصاد السابق في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى القمة عام 2017 وهو في سن 39 عامًا، مستخدماً ببراعة صورته كسياسي لا ينتمي إلى اليمين ولا إلى اليسار ومستفيداً من تفكك الأحزاب التقليدية.
حياة إيمانويل ماكرون شبيهة بألبوم صور متعدد الألوان، بدأها بمسار تعليمي ناجح في أبرز المدارس والمعاهد الفرنسية وهو معهد «هنري 4» بباريس ثم معهد العلوم السياسية بباريس (2001) والمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورغ (2002- 2004) إضافة إلى مؤسسات تربوية عريقة أخرى. وخلال مشواره الدراسي، وقع إيمانويل ماكرون قبل أن يتجاوز الـ16 سنة في غرام مدرسة للغة الفرنسية تدعى برجيت ترونيو والتي كانت تكبره سناً بعشرين سنة.
لعبت هاته السيدة دوراً أساسياً في تألق نجم ماكرون سواء على الصعيد المهني أو السياسي. وبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، عمل كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، وفي 2008 غادر عالم الإدارة العليا والتحق بمصرف «روتشيلد» ليكتشف أسرار البنوك والمالية. في 2012 التحق بالرئيس هولاند وعمل مستشاراً اقتصادياً إلى غاية 2014 ليعينه هولاند بعد ذلك وزيراً للاقتصاد محل أرنو مونتبورغ الذي استقال من منصبه. دامت عهدة ماكرون الوزارية سنتين (2014- 2016) قبل أن يؤسس حركته «إلى الأمام» ليستقطب بذلك عشرات الآلاف من المساندين، غالبيتهم من الشباب الذين يرون فيه رجل المرحلة إلى أن وصل إلى كرسي قصر الإليزيه.
في تلك الفترة، ما كان أحد يتكهن ولو لثانية واحدة أن ماكرون سينعم بهذا الفوز الرئاسي الكبير، ولا أحد إطلاقاً كان يتصور أن القطبيتين السياسيتين التقليديتين واللتين طبعتا تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، وأعني بذلك اليمين واليسار، ستزال في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية... زلزال سياسي كبير لأن حتى بعض أصوات اليمين واليسار صوتت آنذاك لهذا الرئيس الشاب، أما اليوم فيقيني بأن الفرنسيين سيصوتون على الرئيس ماكرون، أولاً لضعف شخصية وبرنامج منافسيه، وثانياً لتداعيات الحرب في أوكرانيا، حيث إن الخوف يعم كل الفرنسيين بل وكل الأوروبيين، وحيث إن غلاء المعيشة بدأ يرخي بظلاله على مناحي الحياة اليومية للمواطنين، وهو ما يجعل من التصويت العقابي في هاته الفترة أمرًا مستبعدًا.