مرت أسواق النفط بأحداث دراماتيكية تاريخية منذ أزمة كورونا حتى اليوم، خلال هذه الأحداث تم تسجيل أرقام قياسية لم تسجل في تاريخ أسواق النفط، وكمثال على ذلك تم تسجيل أقل سعر للنفط (وصلت أسعار خام غرب تكساس بالسالب)، وأكبر تخفيض للإنتاج في التاريخ تتفق عليها دول أوبك وتحالف أوبك بلس، و أعلى نسبة التزام بين دول أوبك وأوبك بلس وغيرها من الأرقام الاستثنائية. وإذا نظرنا في الوضع الحالي فإن أسواق النفط تمر في ظروف جيوسياسية دقيقة لها تأثيرات كبيرة على الأسواق واتجاهاتها المستقبلية.
السؤال الجوهري قبل الدخول إلى تفاصيل تأثر الأسواق من الظروف الحالية هو ما هي الأسباب التي تأثر على أسواق النفط بشكل عام، تتأثر الأسواق أولاً بالظروف السياسية مثل الحروب، وثانياً بالظروف الاقتصادية مثل العرض والطلب، وثالثاً بالظروف الفنية للحقول مثل الإنتاح والاكتشافات وأعمال الصيانة ورابعاً بظروف طبيعية مثل الأعاصير والزلازل. هناك أسباب يمكن التعامل معها والسيطرة عليها وأسباب أخرى غير ممكن التحكم والتنبأ بها، وهذا ما يجعل أسواق النفط من أشد الأسواق تذبذباً على الإطلاق.
الأزمة الروسية الأوكرانية هي من الأسباب التي لا يمكن التحكم بها ولا التنبأ بما ستؤول عليه الأمور لاحقاً ولذلك رأينا ارتفاع للأسعار بشكل كبير اقتربت من مستويات 140 دولار للبرميل، بسبب عدم اليقين والهلع والخوف من انقطاع إمدادات النفط عن الأسواق العالمية. الأسعارحالياً تتذبذب بشكل كبير بسبب استغلال المضاربين للظروف الجيوسياسية الحالية. ولهذا ترى السعودية ودول أوبك بلس بعدم جدوى زيادة الإنتاج وضخ المزيد من النفط في الأسواق بسبب عدم وجود خلل في أساسيات السوق بمعنى أنه مهما تم ضخ المزيد من النفط في الأسواق لن يكون له تأثير كبير على مسار الأسعار حيث ستكون التذبذبات الشديدة هي من طبيعة الأسواق خلال المرحلة الحالية. ومن المتوقع ان تذبذبات الأسعار ستستمر خلال الفترات القادمة ما دامت الظروف الجيوسياسية الحالية قائمة. من الواضح أن هناك حالة كبيرة جداً من عدم اليقين ويوجد الكثير من السيناريوهات المحتملة ولذلك لا يمكن بأي شكل من الأشكال توقّع مسار الأسعار صعوداً أو هبوطاً. الخلاصة أن توّقع الأسعار حالياً وهم، واستقرار أسواق الطاقة تحدي كبير جداً!
** **
د. مسفر بن كحلة - باحث في شؤون الطاقة