تعدُّ اللُّغة الوسيلة المثلى للتعبير عن المشاعرِ والدوافع، ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يُفكّر ويعبّر عمّا يدور في ذهنه وعقله وقلبه من تأملات وأفكار وأحاسيس، وكذلك يستطيع أن يفهم ويحلل النصوص ويفسرها ويصدر أحكامه عليها، وكل ذلك يتم من خلال اللُّغة، سواء أكان ذلك من طريق التحدث أم الاستماع أم القراءة.
إن الوظيفة السامية للُّغة في المجتمع لبشري أنها خير معين للمرء على البوح بأفكاره ومشاعره، ومحاولة فهم الآخرين أو التأثير فيهم.
وللأسف الشديد، فإن الأزمة التي كانت تعوق الفرد عن معرفة أهمية اللُّغة ونشأتها جاءت من خلال التعليم، وتحديداً من تعليم اللُّغة؛ إذ تُختَزَل اللغة في تعليم النحو وقواعد ضبط الكلمة، وفي الإملاء، ويُرَكَّزُ عليهما في المراحل الدراسية الثلاث، في حين تُهمَل الجوانب الأخرى التي تساعد في تكوين شخصية الطالب، مثل: الفهم والتحليل والتفسير ومعرفة الأفكار المصرح بها أو الضمنية، من خلال ما يكتبه الآخر، أو من خلال ما يتحدث به.
فلا بد أن نعود إلى نقطة الانطلاق في تعليم اللُّغة ولا نختزلها في ضبط الكلمة ورسمها، بل ننطلق من أسلوب تعليم اللُّغة، فندرب معلمي اللُّغة على تدريسها بشكل يجعلها هي الأساس في تكوين الشخصية، وتنمّي الإبداع في النفس، حتى يستطيع الفرد، من خلال لغته، أن يفهم ويفكر بشكل مختلف، ويكتشف نفسه، ويعلم بما يدور من حوله، ويشارك الآخرين أفكاره، فالأفكار لن تصل بشكل صحيح ومؤثر إلا من خلال اللُّغة.
عندما يلجأ الإنسان إلى لغته للتعبير عن سعادته وحزنه، وعن الاضطرابات التي يعيشها، فإنه هنا لا بد أن يكون منحازاً إلى لغته، ويعدها هويةً لذاته ووجوده، ويعتز بها، ومن هنا سوف تنشأ علاقة وطيدة بين الإنسان واللُّغة، وكلما ازداد المرء وعياً وإدراكاً زاد انتماؤه إلى لغته واعتزازه بها؛ لأنها لا تخذله، فهو دائماً يجد الكلمات والجمل تتوالى في ذهنه وتتوافد على لسانه إذا أراد أن يعبر بأي طريقة يراها، سواء كتابة أم تحدّثاً.
من الآفات التي تربك الإنسان، وبخاصة في مقاعد الدراسة، من ناحية معرفة اللغة وأهميتها له، النظرة القاصرة إليها واختزالها في الإعراب ورسم الكلمة، وحبسها داخل هذين الإطارين، وذلك يقيد لسان الطالب ويده، ويجعله يخاف من الوقوع في الخطأ، فيظل متوجساً وهارباً من استخدام لغته، وينظر إليها على أنها معقدة! والذي يزيد الطين بلة هو الطرق التقليدية للمسابقات التي تهتم بمهارة محددة لا يستخدمها الإنسان كثيراً في حياته، مثل مهارة الإلقاء، وكذلك تركيز المعلم على الإعراب ورسم الكلمة فقط، دون تكثيف فَهْم وتحليل وتقويم النصوص، وتنمية الثروة اللُّغوية لدى الطلاب.
علينا أن نبدأ - وتحديداً من المرحلة المتوسطة - الاهتمام بجانبي القراءة والكتابة، وخصوصاً ما يتعلق بقراءة النصوص وما تحويه من مهارات حين يكتسبها الطالب تنطلق به إلى فضاء أرحب، وكذلك توجيه عنايتنا إلى المسابقات التي تختص باللغة، والتي دائماً لا تعطي الطلاب مساحة للتحدث والكتابة والتعبير عن أنفسهم بكل أريحية، وعمّا يرونه من مشاهد وحوادث في الحياة، ووصف مشاهدات كل منهم بطريقته الخاصة، فهي مسابقات عوجاء تقيّد الطلاب ولا يعوّل عليها في زيادة الانتماء إلى اللغة.إذا أردنا تمكين لغتنا العربية في نفوس أبنائنا والاعتزاز بها، فعلينا أن نبدأ من مراحل التعليم، فنقدِّمها بطريقة مبسّطة، ولا نختزلها في مواد معينة، ونقدم المسابقات التي تزيد الطالب حباً باللُّغة، ونختار السبل الملائمة لمواكبة حركة العصر الذي نعيش فيه، ولا يزال المرء يتعلم ويكتشف كل يوم فكرة جديدة، ويكتشف نفسه ومَن حوله، فالحياة وما يدور حولنا ليس ثابتاً.
تتغير وتتبدل الأحوال وتظل اللُّغة هي الوسيلة التي نشارك بها الآخرين أفكارنا ومشاعرنا وتأملاتنا، وتُعدُّ هي الجسر َالمتينَ للتواصل مع الآخرين.