م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. النوم هو الموت الأصغر.. هو الغياب عن الوعي.. هو الأحلام الناعمة أو الأحلام المزعجة.. هو الراحة أو التعب المُنْهِك.. هو النبوءة أو الهذيان.. هو في كل حالاته حاجة إنسانية يهلك الإنسان دونها كالغذاء والماء والهواء.
2. النوم يستأثر بثلث الحياة للصحيح المعافى وأكثر أو أقل للأقل صحة وعافية.. وهو وإن كان استمرارية للحياة بيومها وليلها لكنه في حقيقته حالة مستقلة غير واعية بشخوصه ومواضيعه وحالاته ومخاوفه وأفراحه وأتراحه.. هو حالة مجتزأة من نهارك أو ليلك.. لكنه حتماً ليس قطيعة له أو عنه أو منه أو معه.. هو مستقل وهو مرتبط بذات الوقت بحياة الفرد اليومية.. هو نتيجة وهو استقراء ومشاعر وأحلام وأهواء ورغبات لحياتنا في اليقظة.
3. هناك من يرى أن النوم نقيض اليقظة.. يقابله من يراه امتداداً لها.. هناك من يرى النوم وسيلة لتحليل النفس وقراءة المستقبل.. يقابله من يراه أضغاث أحلام وتصورات وأوهام تتصادم بلا معنى أو قيمة.. هناك من يراه محطة استراحة للجسد وأعضائه.. لكنه لا يعطينا تصوراً عن كيف أن المعدة تستمر بالهضم، والقلب يواصل الضخ، والكلى تفلتر السوائل، والكبد تمنع السموم، والرئة تتنفس.. فكيف يكون النوم استراحة للجسد وأعضاؤه كلها تعمل؟!
4. النوم عكس اليقظة وقرين اللاوعي.. غياب الوعي يجعل النوم أمراً خارج الواقع وأقرب إلى الخيال.. لا يمكن أن يُبنى عليه مشروع أو حركة أو فعل أو ردة فعل.. النوم وإن كان حالة إنسانية عامة إلا أن كل فرد فيه له نومته الخاصة وأحلامه المنامية الخاصة، لا أحد يشبه أحداً.
5. الذين يمشون أو يحكون وهم نيام، أو ينهضون فزعين من منامهم بسبب كابوس مخيف، أو الذي يتبول لا إرادياً في منامه.. هؤلاء يكونون خارج الوعي البشري بلا عقل أو إدراك أو قدرة.. عند المنام يتخلى الجسد عن كل دفاعاته فترتخي عضلاته.. ويظهر ضعف الإنسان وهشاشته وإمكانية تغييبه وتسييره والتحكم فيه.
6. من الناس من يصاب بالأرق، فهو في عراك مع النوم كل مساء.. ومنهم من ينام فور وضْع رأسه على الوسادة.. من الناس من يستطيع أن ينام في أي مكان وأي وقت وتحت أي ظرف.. ومن الناس من لا يستطيع النوم إذا تغيرت وسادته، ناهيك عن النوم في مكان مختلف أو توقيت مختلف أو من تعرض لموقف أشغل باله.. كل الناس تحلم في نومها لكن منهم من يتذكر أحلامه بتفاصيلها ومنهم من لا يتذكرها إطلاقاً.. تلك الأحلام يمكن أن تكون نتيجة موقف أو حالة صادفتك أثناء يومك.. أو تكون نتيجة أكلة دسمة نمت بعدها مباشرة.
7. أحلام المنام هي بمثابة العيش في واقع افتراضي بحركاته وخيالاته وانفعالاته وأفراحه وآلامه ومتعه.. لذلك أحلام المنام لها وزن معتبر على شخصياتنا نفسياً، وبالتالي تأثيرها على مسار حياتنا.. فهي ليست سوى مواجهة مع أنفسنا تحملنا إلى أماكن بعيدة فيها.. نذكرها رغم أنها محفورة في أذهاننا مثل» الطفولة والقهر والحرمان والرغبات المكبوتة والطموحات الجامحة.. وهي من العمق ما يجعلها بنداً رئيسياً في العلاج النفسي وتحليل الشخصيات منذ «أبقراط» مروراً «بفرويد» إلى يومنا هذا.
8. الأكيد أن ثقافة النوم بأهمية ثقافة اليقظة.