محمد سليمان العنقري
نتيجةً للهجمات المتكررة للمليشيات الحوثية الإرهابية «صرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية بأن المملكة العربية السعودية تعلن أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران. وبين المصدر أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته في المحافظة على إمدادات الطاقة ووقوفه بحزم ضد المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران وردعها عن هجماتها التخريبية التي تشكل تهديداً مباشراً لأمن الإمدادات البترولية في هذه الظروف بالغة الحساسية التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية»، فالعالم يمر بمرحلة دقيقة تهدد نمو الاقتصاد العالمي الذي بالكاد استعاد عافيته بعد جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية السلبية غير المسبوقة حيث تم ضخ قرابة 30 تريليون دولار لتحقيق هدفين الأول احتواء الركود الاقتصادي والثاني هو العودة للنمو واستعادة قرابة 100 مليون وظيفة فقدها العالم مع الإقفال الكبير بعد تفشي فيروس كورونا في 2020 م.
وبالعودة لتصريح المملكة حول عدم تحملها مسؤولية نقص إمدادات البترول نتيجة هذه الأعمال العبثية من مليشيات الحوثيين فقد أكدت أهمية أن يعي المجتمع الدولي خطورة استمرار تزويد إيران لهم بالأسلحة التي يهاجمون بها المنشآت النفطية بالمملكة، وقد تصدت الدفاعات السعودية لمئات الصواريخ والمسيرات التي أطلقوها باتجاه المملكة على أعيان مدنية ومنشآت اقتصادية على مر السنوات الماضية ولله الحمد لكن خطورة استمرار هذه الهجمات ظهرت عندما تعرضت منشآت نفطية العام 2019 لهجوم أثر على نسبة ليست بالقليلة من إنتاج المملكة ولكن نظراً للإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها السعودية من خبرات واستثمارات استطاعت أن تعيد الإنتاج والإمدادات لوضعها الطبيعي بوقت قياسي جداً ولم يحدث حينها أي انقطاع للإمدادات والتزامات المملكة لعملائها في مختلف دول العالم وذلك لأنها انتهجت استراتيجية مميزة في استثماراتها النفطية منذ عقود وأنفقت عليها مئات المليارات من الدولارات في التنقيب والاستكشاف والإنتاج والأعمال اللوجستية وتوطين الخبرات وتأهيل الكوادر البشرية ولذلك تعد الدولة الأكثر موثوقية بإمدادات الطاقة من النفط وهي التي تحافظ على أعلى طاقة إنتاجية احتياطية بحوالي مليوني برميل ولطالما تمكنت من تعويض أي نقص بإمدادات النفط التي حدثت نتيجة ظروف مختلفة سابقاً تعرضت لها دول نفطية تراجع إنتاجها إلا أن المملكة كانت صمام الأمان لأسواق الطاقة فسياستها هي توازن الأسواق واستقرار إمدادات الطاقة وتعمل على ذلك من خلال دورها البناء في تحالف أوبك بلس ودائماً قراءتها تكون هي الصحيحة حيث نبهت مراراً لخطورة دور إيران وأتباعها الحوثيين الإرهابيين على أمن إمدادات الطاقة وكذلك لأهمية استمرار ضخ الاستثمارات باكتشافات وإنتاج النفط والغاز عالمياً خوفاً من نمو الطلب بأكثر من نمو العرض وهو ما يحدث حالياً بمعزل عن أزمة حرب روسيا مع أوكرانيا ورغم كل التوجهات الغربية تحديداً للطاقات المتجددة كانت المملكة مستمرة بنظرتها إلى أن النفط سيبقى اللاعب الرئيسي بتنمية الاقتصاد العالمي ومده بالطاقة المأمونة والموثوقة وهي مستمرة باستثماراتها بصناعة النفط والغاز وتعتزم زيادة طاقتها الإنتاجية بالسنوات القليلة القادمة.
فالمملكة خدمت العالم باستمرار إنفاقها الاستثماري بالنفط والغاز حيث أوصلت إنتاجها حالياً لمستوى يعادل 10 بالمائة من الاستهلاك العالمي الذي يبلغ 100 مليون برميل يومياً كما أن موارد النفط من جهة ثانية عكستها بتنمية ونهضة اقتصادية بالمملكة ساهمت ليس فقط بتطوير اقتصادها ووصوله لأن يكون من بين أكبر 20 اقتصاداً عالمياً بل دعم إنفاقها الاستثماري على مختلف القطاعات بالاقتصاد السعودي النمو بالاقتصاد العالمي من حيث حجم الواردات من السلع والخدمات التي تستوردها والتي تصل بمتوسط سنوي لحوالي 500 مليار ريال سنوياً بالإضافة لملايين العمالة الوافدة التي تعمل بسوق المملكة وترفد دولها بحوالات يبلغ مجموعها السنوي قرابة 120 مليار ريال بالمتوسط كثاني دولة بالعالم من حيث حوالات الوافدين ولهذه الأموال أثر بتنمية اقتصاد دولهم هذا بخلاف دورها البناء بالمساعدات الإنسانية وتمويل المشاريع بالدول الفقيرة حيث تعد المملكة من بين الدول الأولى بالمساعدات وتمويل المشاريع بقروض ميسرة ومنح حيث دعمت على مدى العقود الخمسة الماضية أكثر من 80 دولة عربية وأجنبية واليمن من أعلى الدول حصولاً على مساعدات من المملكة منذ عقود وأسهمت ببناء المدارس والمستشفيات والعديد من المرافق الحيوية فيها، فخير المملكة على العالم كبير ودعمها لنمو الاقتصاد العالمي أثره واضح بعكس دولة إيران التي تملك ثروات نفطية كبيرة وأيضاً الغاز الطبيعي لكنها وظفت جل مواردها لتصدير الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة والعالم والتدخل بشؤون جيرانها.
المجتمع الدولي أمام لحظة المصارحة والحقيقة إذا أراد حماية الاقتصاد العالمي من التراجع والدخول بركود تضخمي يضعف معه كل نتائج سياساته الاقتصادية التي أنفق عليها التريليونات للخروج من أزمة كورونا الصحية والاقتصادية فإن أمن إمدادات الطاقة يعد ركيزة هذه الحماية فهو الدم الذي يجري بشرايين جسد الاقتصاد العالمي ويدعم نموه والحفاظ على توازن الأسواق واستقرار الإمدادات مسؤولية دولية لأن المواقف المتراخية من الغرب تحديداً شجعت الحوثيين ومن خلفهم إيران على التمادي والاستهتار باستقرار الاقتصاد العالمي فقد أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن إشارة خاطئة للحوثيين عندما رفعتهم من قائمة الإرهاب وكذلك تفعل مع إشاراتها بالتنازلات لإيران مقابل التوصل لاتفاق على ملفها النووي وبذات الوقت تريد خفض أسعار النفط رغم أنها تقوم بسياسات متناقضة مع ما تعلنه، فإيران يتوقع أغلب المتعاملين بالسوق أنها تتحايل على العقوبات وتبيع جل إنتاجها النفطي أي من الممكن أن لا تضيف أي برميل للسوق سوى بعض ما تخزنه بناقلات عملاقة وذلك بحسب تقارير دولية عديدة ومع توجه الغرب لحظر النفط الروسي بسبب حربها على أوكرانيا وعدم اتخاذ مواقف حازمة ضد إيران وأتباعها بسبب سلوكهم المزعزع لاستقرار المنطقة من المجتمع الدولي فإن المخاطر ستكون كبيرة على أمن إمدادات الطاقة وعلى الاقتصاد العالمي.