صبحي شبانة
سؤال يدور في ذهن الجميع، لا أحد يملك الإجابة عنه في ظل حرب ممتدة قد تطول أوزارها، لا أحد يستطيع أن يحدد متى تنتهي؟ وعلى أي وضع سوف تنتهي؟، صحيح أن ميزان القوى يميل بشكل حاد ناحية الجانب الروسي في ظل المعطيات الراهنة، لكن ربما تتغير المعطيات ومن ثم تتطور الأوضاع وتتبدل النتائج، ما يهمنا في منطقتنا العربية. هو أين نضع أقدامنا؟
التداعيات الاقتصادية التي ضربت العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية حولت العالم مما كنا نطلق عليه في السابق قرية صغيرة إلى أسرة كونية صغيرة تعيش مع أخبار المعارك لحظة بلحظة، وكأن رحاها تدور في الشارع الخلفي لما سببته الحرب من أزمات اقتصادية هزت العالم ومرشحة في حال استمرت لأيام أو أسابيع إلى مزيد من التفاقم، إلا أن الأوضاع الجارية في العالم على ما يبدو سوف تفرز نظاما عالميا جديدا يؤسس لعلاقات اقتصادية وبينية وتحالفات غير نمطية سوف تطيح بالقطع بدول وكيانات ذات هياكل اقتصادية سيطرت على الاقتصاد العالمي طيلة العقود الماضية وسوف تحل محلها الدول الأكثر إنتاجاً وتأثيراً في مجالات الطاقة والغاز والمواد الخام والموصلات وأشباه الموصلات.
حتما سوف تتدحرج مراكز القوى الاقتصادية من مواقعها وتنتقل لتتعدد وتشكل نظاما اقتصاديا مغايرا لما تعارف عليه العالم وتم تسويقه تحت شعارات العولمة التي فقدت مشروعيتها وعدالتها في ظل ترسانة القوانين التي سنتها، وسلاح المقاطعة الاقتصادية التي تشهره لإخضاع الدول التي تختلف معها فيما بات يعرف بسياسة الكيل بمعيارين والتي تطبق حسب الهوى والمزاج والمصلحة الخاصة التي لا تراعي القيم والمبادئ الراسخة التي كان من المفترض أن يتم الالتزام بها وتطبيقها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والتي قامت على أساسها هيئة الأمم المتحدة في أربعينيات القرن الماضي.
الحرب الجارية الآن فرضت واقعا اقتصاديا وسياسيا جديدا وأصبح العالم بعد مرور ما يزيد على ثلاثة أسابيع على اندلاعها متهيئا للتكيف مع تداعياتها إلا أن المشكلة الأكبر سوف تلقي بتأثيراتها الجيوسياسية على كثير من دول العالم التي باتت أمام تحديات صعبة تختبر قدرتها على التحكم في نسبة التضخم وبالتالي السيطرة على موجات الغلاء المنفلت والمتزايد يوما بعد الآخر وهو ما يعمق من المأزق الاقتصادي التي تعانيه في مواجهة شعوبها التي حتما سوف تمارس عليها ضغوطا كبيرة.
إن تأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية على العالم تكمن في زيادة أسعار السلع الأساسية، بسبب نقص الصادرات من البلدين، وبالأخص روسيا، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد المملكة بحجم إنتاج يبلغ نحو 8.4 مليون برميل يومياً، بما يتخطى 10 % من الصادرات النفطية العالمية، كما أن روسيا هي أيضاً أكبر مُصدر للغاز الطبيعي عالمياً، بصادرات وصلت إلى 260 مليار متر مكعب في عام 2019، أي أكثر من ربع الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي. وكذلك تعد روسيا أيضاً ثالث أكبر مُصدر للفحم حول العالم، بعد استراليا وإندونيسيا.
وعلى صعيد السلع الغذائية، فإن روسيا وأوكرانيا هما أكبر، وخامس أكبر، مُصدري القمح عالمياً على التوالي، وذلك بكميات وصلت في عام 2019، إلى 32 مليون طن تقريباً من الصادرات الروسية، و14 مليون طن من أوكرانيا. كما يعد البلدان أيضاً ضمن أكبر خمسة مصدرين للحبوب في المجمل عالمياً، بحجم صادرات بلغت 82 مليون طن من الحبوب في عام 2019 وكذلك، فإن روسيا هي أكبر مُصدر للأسمدة في العالم بنحو 7 ملايين طن سنوياً.
الحروب طيلة التاريخ تفرز واقعا جديدا، بعدها تبرز قوى وتتلاشى أخرى تدخل في نفق الزمن، كثيرة هي الامبراطوريات عبر التاريخ التي سادت ثم اندثرت، هذا هو قانون السماء «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، نحن في العالم العربي أمام فرصة تاريخية لتعزيز قدراتنا، فليس الفائز هو فقط المنتصر في الحرب بل هو الذي يستثمر الفرصة المواتية التي أتاحتها الحرب التي تدور رحاها، كلي ثقة بقيادتنا العربية الرشيدة التي تدرك بوعي أهمية ما تمتلكه من قدرات وإمكانات تصنع بها واقعاً عربياً جديداً يليق بطموحنا في مستقبل نقوده ونفرض فيه إرادتنا.