د. تنيضب الفايدي
الرجاء هو الثقة بجود الله تعالى، وقيل: إنّه التوقع لما فيه خير ونفع، أو تعلّق القلب بحصول محبوب مرغوب مستقبلاً، والرجاء صفة محمودة؛ لأن الإنسان بلا رجاء يضيق في وجهه كلّ واسع، ويبعد كلّ قريب، ويعسر كلّ ميسور، وتتداخل كلمة الرجاء مع كلمة الأمل فالرجاء أقرب للنفس من العمل، ويتكرر الرجاء على ألسنة (جمع لسان) المؤمنين ثقة بجود الله تعالى، والفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجدّ والاجتهاد. والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل.
والرجاء مطلوب من المؤمن فهو دائماً يحتاج الرجاء، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الآية 57، سورة الإسراء).
ويذكر الغزالي رحمه الله: «أن كلّ ما يلقاه الإنسان في حياته من محبوب أو مكروه، إما أن يكون قد حدث له في الماضي أو يحدث له الآن، أو ينتظر حدوثه في المستقبل، فإذا خطر بباله ما حدث له في الماضي، سمي ذلك ذكراً وتذكراً، وإذا خطر بباله ما يحدث له في الحال، سمي ذلك وجداً، وإذا كان ما خطر بباله يحدث في المستقبل، سمي ذلك انتظاراً وتوقعاً.
فإن كان ما ينتظره الإنسان في المستقبل مكروهاً سمي خوفاً وإشفاقاً، وإن كان ما ينتظره محبوباً له وتعلق قلبه به، سمي رجاء، فالرجاء إذن هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده».
وقد تحدث القرآن الكريم عن الرجاء في مواطن عديدة، بل جعله سمة من سمات المؤمنين، وصفة من صفات المؤمنين، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الآية 218، سورة البقرة).
وقال في سورة الإسراء: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء، 57).
والآيات وكذا الأحاديث في هذا الباب كثيرة، لا مجال لذكرها هنا.
كما ذكر القرآن أمثلة تبين أهمية الرجاء بالله سبحانه وتعالى، فمن أمثلته ما جاء في قصة نبي الله يعقوب عليه السلام، حيث كان رجاؤه بالله رجاءً لا يخيب، ولا ينقطع، حيث قال لأبنائه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) سورة يوسف.
أمّا زكريا عليه السلام فقد أدركه الأمل والرجاء بالله تعالى، فسأله الولد بعد أن ضعُف وامتلأ شعره شيباً وكَبُرَ في العمر، فاجتهد بدعائه إلى الله بأن يرزقه ولداً، فمنّ الله -عز وجل- عليه بيحيى.
والرجاء من أقوى الأسباب تعين الإنسان على السير إلى ربه وإلى عبادته والثبات على الدين؛ لأن الإنسان يدور ما بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله.
وقد سُئِل أحمد بن عاصم رحمه الله: ما علامة الرجاء في العبد؟ قال: أن يكون إذا أحاط به الإحسان أُلهِم الشكر، راجياً لتمام النعم عليه في الدنيا والآخرة، وتمام عفوه عنه في الآخرة..
والخوف مستلزم للرجاء والرجاء مستلزم للخوف عند المؤمن؛ لأن كلّ خائف راجٍ وكل راجٍ خائف، ولهذا حسن وقوع الرجاء في مواضع يحسن فيه وقوع الخوف، كما أن الرجاء مقرون بالتوكل، فإن المتوكل يطلب ما رجاه من حصول المنفعة ودفع المضرة، والتوكل لا يجوز إلا على الله قال تعالى: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الآية 12، سورة إبراهيم).
وللرجاء ثمرات كثيرة ذكرها العلماء، منها: يساعد على المجاهدة بالأعمال، ويورث المواظبة على الطاعات، ويكون محبوباً عند الله، لأن الله يحب من عباده أن يسألوه ويرجوه ويلحوا عليه، ويشعر التلذذ في العبادة والدعاء، كلما اشتد رجاء المرء حصل ما يرجوه، والرجاء يبعث العبد على مقام الشكر، وعلى قدر رجاء العبد وخوفه يكون فرحه يوم القيامة بحصول رضا الرب والجنة ورؤية الله فيها، عدم اليأس من المغفرة ومهما يكن ذنبه عظيماً لأنه يرجو من الله المغفرة والعفو كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الآية 53، سورة الزمر)، كما أن المرء إذا بلغ به الكبر وأدركته الشيخوخة أخذ يرجو حياة أخرى فيها شباب بلا هرم، وحياة بلا موت، وسعادة بلا شقاء في، قال تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (الآيتان 61 و62، سورة مريم).