د. خالد عبدالله الخميس
النمام هو النمام مهما اختلف الزمان والمكان واختلفت اللغة والديانة والأحوال، فالسلوك البشري خاضع لقوانين ثابتة وسمات شخصية لا تخرج الإنسان من كينونته، فكل ما في الأمر أن التسميات استخدمت بعبارات أخرى والمصطلحات تبلورت بما يتواءم مع عموم قوالب لغة العلم الحديث وسياق النظريات المجتمعية والنفسية، ومع هذا كله سنبقي على مصطلح النمام ونؤكد على الحدث حوله.
النمام باختصار شخص يتجنب مواجه خصومه وجهاً لوجه، فيعمد لشحن قلب طرف ثالث (أو أطراف عدة) ضد خصمه ليستخدمهم دمى وأدوات في توصيل أذاه للآخر، فيشب نار الخصومة بين أطراف ليس لهم دخل في أصل الخصومة، ليحول أصل الخصومة بينه وبين الآخر إلى خصومة بين الآخر وبين الآخرين، ليبقي نفسه في وضع الثعلب المتفرج، وما أن يحتدم الخلاف وتستعر نيرانه إلا وينصب نفسه مصلحاً وقاضياً بين الطرفين.
ولهذا، فعندما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من النميمة والنمام بأنه «لا يدخل الجنة نمام» لم يكن إلا لدوره الخفي المفسد في خراب الروابط وإيقاد الفتنة بين الأهل والأصحاب مع تظاهره بلبس لباس الصلح والإصلاح في حركة أشبه بدور الفار الذي يفسد ويتخفى عن الأنظار. وصفة تخفِّي للنمام تعكس شخصيته البعيدة كل البعد عن صفة الشجاعة، فيكاد لا تجد نماماً وشجاعاً في الوقت نفسه، فالنمام شخصية جبانة بامتياز أثناء المواجهات الكلامية أو القتالية، إلا أنه ماهر في صناعة العداوة بين الآخرين فيصعب على من حوله كشف مخططه في النميمة بسهولة، فيعمد بخبرته لأساليب مكينة تصنع عداوة وكراهية بين طرفين، وإبقاء نفسه في موضع الجرو الوديع.
ومن أبجديات صفات النمام أنه كثير الشماتة والغيبة والحديث في أعراض الناس، وكثير السخرية واستنقاص الآخرين، فما أن يدخل أحد أو يخرج من مجلسه إلا ويلسعه بكلمة نابية لا يسمعها إلا الذي بجانبه تأكيداً لصفتي الجبن من جهة وصفة الدناءة من جهة أخرى.
ومن صفات النمام أنه يستخدم أسلوب الطرافة والتنكيت عندما يعمد لذكر أسوأ صفات الآخرين، ليكون لنفسه قاعدة جماهيرية مقبولة، وهكذا، فالنمام له أسلوب احترافي في كسب الآخرين واستمالتهم لصالحه وتجنيدهم لمعاركه إما بأسلوبه المضحك المعسول أو بتقديم منافع خدمية.
ومن خصائص النمام، غياب الشعور بالذنب والعطف للآخر، فلا تعجب من سخريته لمبتلى أو مريض أو معاق، ولا تعجب من أنه أثناء زيارته لقريبه المريض أن يشمت من حال مرضه، وذلك في معادلة مزدوجة بين طلب أجر زيارة المريض والشماتة عليه وبين طلب البر من قريبة والسخرية منه.
النمام شخصية مليئة بالازدواجية وهذه الازدواجية تعكس أحد صور ميكانزم الدفاع عن النفس وميكانزم العدوان على الآخرين، ويُقصد بميكانزم الدفاع عن الذات أنه يعمد على تغطية فساد نفسه بحيلة دفاعية تظهر بمظهر الصلاح والإصلاح والتقوى وصلة الأرحام والصدقة، وهو يمارس في أرض الواقع أشد سبل التفرقة دناءة بين الأطراف.
ومن جميل التعاليم الإسلامية أنها لم تعول على ظاهر العبادات من صوم وصدقة وصلة وبر للوالدين ما لم تترجم إلى كف الأذى عن الناس، «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وفي الشرع الإسلامي قوانين صارمة في حفظ حقوق المسلم، فمن يمارس دور النميمة والغيبة فإن باب التوبة بينه وبين الله مغلق ما لم تمتد لطلب الصفح من الآخرين المتضررين من نميمته. والنمام الذي رسم تاريخ حياته بالنميمة يكاد لا يفيد معه النصح والإرشاد ويحتاج إلى مشوار طويل لتعديل سلوكه وإيقاد شعوره العطف والندم.
بكلمة واحدة، عندما يتظاهر النمام بالصلح بين طرفين متنازعين صنع هو عداوتهم فقل له يا هذا «لا تزني ولا تتصدقي»، إشارة للعاهرة التي تتصدق من مال عهرها.