علي الخزيم
بحسب علماء النفس والتربية فإن أغلب عناصر تكوين شخصية الإنسان تتشكل في السنوات الخمس الأولى من عمره، وهم بذلك يُحَذِّرون من أن أي عوامل تعنيف مؤثر أو قسوة زائدة؛ أو تعريض الطفل لإيذاء جسدي أو لفظي يشعر معه بالإهانة والقهر؛ مع حرمانه من التعبير انتصاراً لنفسه؛ فإنها ستبقى ملازمة له بمستقبل حياته وإن تفاوتت قدرة التحمل من إنسان لآخر، وبهذا السياق يرى علم النفس والتربية أن ما يُسمَّى بتنمر المعلمين ضد التلاميذ الصغار من الوسائل البعيدة عن التربية والتعليم ومرفوضة تماماً نظراً لآثارها العميقة على تكوين شخصياتهم وبناء قواعد سلوكهم، ومن صور هذا التنمر التوبيخ المستمر والصراخ بوجوههم بكلمات وجُمل نابية أو مفردات تأنيبية قد لا يدرك الطفل معناها وأبعادها فيحملها بنفسه متأثراً بمضامينها التي يَعُدّها قاسية غير أبوية من معلم يراه كالأب أمامه بالمدرسة، ويصف أهل الاختصاص سلوك المعلم هذا بأنه غير مسؤول ويكشف التدني المهني لديه، ومن شأنه إذكاء روح العداوة بين الطلاب والمعلمين وربما أنحوا باللائمة على إدارة المدرسة فيقع الطاقم الإداري بدائرة الاتهام ومن ثم انعكاس أسلوب التنمر عليهم من قبل الطلاب مستقبلاً.
وتتشعب آثار تنمر المعلمين إلى ما يؤدي لتدني المستوى العلمي التحصيلي للطلاب وتقلص رغباتهم تجاه الحضور المدرسي؛ ولن يكون تفاعلهم داخل الصف بالمستوى المأمول خشية أن يقعوا تحت سطوة التنمر مجدداً فتزيد جراحهم وآلامهم النفسية التي عجزوا عن إبدائها والتعبير بها لأسرهم للخشية مرة أخرى من الوقوع تحت غضبهم وانفعالاتهم، ذلكم لأن السائد هو تلقين التلميذ أن المعلم دائماً على حق ولا يصح الرد عليه، وإن حاول التلميذ نقل المشكلة للمنزل فغالباً سيجد الاعتراض وتثبيت رأي المعلم مع علمهم بخطئه، لئلا يستمرئ التلميذ استثقال كلمات المعلم وصَلَف تعامله معه، وهم بذلك يعملون على ترويض الطفل على تحمل الصعاب والمواقف السلبية بالمدرسة من أجل العلم والمعرفة، أو لسابق علمهم أن بعض المعلمين (ما فيه حيله)!
سيكبر الطفل قليلاً وتكبر معه آثار التنمر التي احتشدت بخاطره وملأت تجاويف نفسه ألماً، فكان لا بد له من التنفيس حتى لا تتملك شغاف قلبه وتقلق نومه بعد أن بكى بصغره خِفية بفراشه دون علم الأهل ودون معرفتهم بما يُؤرِّقه ويَقُضُّ مضجعه، والتنفيس - وإن جاء متأخراً - فهو ربما طال معلماً أو مديراً لم يكن السبب الأول والرئيس بمعاناة الطالب النفسية واضطراب سلوكه التربوي، واختلال تحصيله العلمي المدرسي، غير أن الوقت عنده قد حان لرد الدين - بنظره - وعندها لم يكن ليقيس الأمور بمقياس عقلاني منطقي عادل، ويُضرم جذوة الكراهية لديه مجموعة امثاله نالهم ما ناله بالأيام والسنوات الخوالي وأجمعوا أمرهم على فعل شيء يرُدّ لهم اعتبارهم ويداوي جراحهم النفسية ويوازن سلوكياتهم التربوية، وهي وإن كانت إجراءات طلابية خاطئة بهذا الوقت إلَّا أن الأهم بهذه المرحلة التفكير من جانب الطواقم التعليمية التربوية لتحاشي نشوء تلك الآثار والمسببات السلبية، فالتربية أرقى من أن تكون صراخاً وتعنيفاً لفظياً وجسدياً.