علم التشريح الميتافيزيقي أسسته إيفيت روز وألفت كتاباً حيال ذلك العلم، بهدف تعليم ومساعدة الناس على التشافي من صدماتهم والقدرة على العودة من جديد لمواجهة ظروف الحياة وتداعياتها المتغيرة والمستمرة على مدى أيام وسنوات وأجيال، نعم لربما الصدمات تستمر لأجيال وهذا ما تعرفت عليه في هذا العلم أن الصدمات النفسية ممكن أن تنتقل عبر الأجيال، وعلى أي شخص يريد الاستفادة من هذا العلم أنه يكون متفتح الذهن، وعلى يقين برغبته في الشفاء والتشافي من هذه المشاعر السلبية التي تزعجه وتقض مضجعه وتسبب له المزيد من الألم والإرهاق.
كما هناك في علم النفس الأمراض النفسجسمية هناك أيضاً مشاعر سلبية سببها نفسي وآلام جسدية سببها نفسي أو جذورها مشاعر سلبية لم تكتمل دورتها في وقتها وحصل لها تخزين وقمع، ومن ثم أصبحت تظهر لنا في الجسم على شكل آلام ومشاعر ضيق وتعب تعوق لنا حياتنا وتحول دون شفائنا، تماماً مثل وجود جذر مصاب في الأسنان يمكنك علاجه باقتلاع السن وتنظيف الالتهاب وإدخال قناة لعصب السن، ولكن احتمالية تنظيف الالتهاب تكون أقل احتمالاً إذا انتشر عندها يختفي الالتهاب ولكن يظل الألم موجوداً وتظل الأعراض موجودة، فأنت إذا لم تعالج السبب الحقيقي والخفي وراء هذا الالتهاب مثله مثل من وضع كمادة ومسكن أمام التهاب مزمن.
فالصدمة النفسية هنا كما يقول بيتر. ليفين: «هي ليت ما يحدث لنا بل ما نحتفظ به في الداخل، ونتمسك به في غياب شاهد متعاطف، فعند حدوث الصدمات تحدث لدينا ردود فعل طبيعية كغريزة للمقاومة والرغبة في السيطرة على الموقف والإحساس بالأمان، وتقاوم غرائزنا هذه المشاعر الضاغطة والمؤثرة، حيث يختلف رد الفعل من شخص لآخر، فمنهم من يهرب ومنهم من ينفعل ويقاتل ويصرخ، ومنهم من ينفصل ويتجمد في مكانه (الانفصال الفكري) ومنهم من يتخدر جسدياً بحيث يمكنه الحركة ولكن لا يستطيع، ومنهم من يستسلم وغيرها من الوسائل الغرائزية للسيطرة والإحساس بالأمان، وهذا عندما نقمع ونكبت هذه الانفعالات الغريزية فإننا نضيفها إلى رصيد حياتنا في سنوات قادمة طوال تتخزن وتتراكم إلى أن تظهر على شكل آلام جسدية.
وهناك مثال على ذلك طبيعة الكائن الحي والفطرة التي خلقها الله عليه وهي مأخوذة من ملاحظة الحياة البرية للحيوانات، عندما يطارد الأسد الغزال فهو يبحث عن طريدة يصطادها ليسد جوعه، وهي تهرب من خطر يهدد حياتها بالموت والإحساس بعدم الأمان وتظل تركض وتركض فإن حالفها الحظ ونجت من قبضة الأسد تصل إلى منطقة أمان، وتظل ترجف وترجف وترجف كرد فعل غريزي إلى أن تتخلص من صدمة الإحساس بتهديد الحياة والموت الذي كان يطاردها، وعندما تنتهي تعود مرة أخرى إلى قطيعها، فالإنسان تماماً تحدث لديه ردَّات فعل مشابهة لردة فعل الغزال كما ذكرتها سابقاً من ارتجاف أو هروب أو صراخ.. إلخ.
فتقنية التشريح الميتافيزيقي التي تعني دراسية ما وراء الجدد والوصول إلى جذور مشاعر أعماق النفس البشرية ومعالجها والتشافي منها هي تقنية نحتاجها في حياتنا لمعرفة أسباب الأمان وتعبنا ونعيد اكتمال الصدمة بالتعبير عنها ومواجهة مشاعرنا وتنظيف شاكرات الجسم المعوقة للتوازن.
وهنا يتبادر لدينا تساؤل ما الفرق بين إكمال الصدمة والنجاة منها؟
النجاة من الصدمة هي أن تقوم بتخدير نفسك والانفصال عن الصدمة وما حدث، ومقاومة التعامل مع الحالة المشاعرية الحقيقية الناتجة عنها، النجاة من الصدمة تؤدي إلى قيام الجسم بالاحتفاظ بطاقة الصدمة وتخزينها بداخله. أما إكمال الصدمة فيعني قيام الجسم بتحرير الطاقة العصبية الناتجة عن الصدمة من جهازه العصبي، إكمال الصدمة يعني السماح للمشاعر بالخروج والتحرر، وبذلك تفك ارتباطها بالاستجابة الغريزية كالصراخ والغضب والعصبية أو حتى الهروب والاختباء والاستسلام والقيء أو الترجيع جميعها استجابات طبيعية للجسم، فهل أنت تسمح لجسمك بإكمال الصدمة والتحرر من المشاعر أم تحبسها بداخلك وتنجو من الصدمة. التحدي القائم لدينا هو أن معظمنا تعلم النجاة من الصدمة وتجاوزها دون السماح لدورة الصدمة بالاكتمال، وبالتالي يقوم جسمنا بالاحتفاظ بطاقة هذه الصدمة لتعود من جديد بالظهور على السطح حينما تجد المحفز المناسب لها وتقوم برد فعل مثل الصدمة الأولى، وتبدأ الأعراض النفسجسمية بالظهور على شكل آلام جسدية. إن تكرار الموقف وتذكره ذهنية سواء بالضحك على رد الفعل أو السكوت والاشمئزاز أو مغادرة المكان أو النوم الكثير وغيرها من التصرفات، ما هي إلا طرق نبرمج بها الجسم للنجاة من الصدمة وعدم السماح له بتحرير الطاقات العصبية والاستجابة الغريزية التي اختزنها وربطها بالمشاعر.
خاطرة
إذاً! كيف تكتمل الصدمات؟ وهل هناك تاريخ انتهاء لها.
تبنى حياة البشر على سلسلة من الأحداث: تربيتهم، أي صدمة تعرضوا لها أو أي صدمات عائلية، والأنماط التي تنبع من هذه النقاط المذكورة. وعندما يبتعد البشر عن ما يريدونه حقاً، سواء كان هذا بشكل واع أو غير واع، يصبح جسمهم جامداً، مقاوماً، متعباً، أو مكتئباً؛ لأن ما يفعلونه لا يرتد إلى شغفهم الحقيقي في الحياة.
وفي بعض الأحيان لا يستطيع البشر تغيير ظروفهم بسبب المسؤوليات الكثيرة التي تقع على عاتقهم، ولكن يمكنهم أن يغيروا ما يشعرون به حيال هذه الظروف. وعندما يفعلون ذلك، إنهم يستعيدون السيطرة على حياتهم مرة أخرى ويعودون إلى مقر القيادة في حياتهم. فالناس يستجيبون للظروف، والبيئات المحيطة بهم، والناس من حولهم.
إن فهم الكيفية التي يعمل بها الجسم يمكن أن يكون صعباً في بعض الأحيان. ويصاب الناس بالاكتئاب عندما ينفصلون عن شغفهم الحقيقي في الحياة وعندما يسمحون للآخرين بإخبارهم بما يجب ولا يجب فعله بل إنهم يصبحون أكثر إحباطاً عندما يشعرون بأنهم معزولون عن أجسادهم وغير قادرين على فهم أن الأعراض التي تظهر عليهم ناجمة عن استجابات الجسم الطبيعية للصراعات والصدمات التي لم تحل بعد.
يستجيب الناس لمن حولهم وللبيئات التي يعيشون فيها بناء على الصدمات التي تعرضوا لها في حياتهم وطفولتهم.
فالكثير من الناس عالقون في غريزة القتال أو الهرب نتيجة لما تعرضوا له من قبل من سوء المعاملة، الرفض، أو صدمة التخلي. ولقد وجدوا أداة/ مهارة للنجاة تساعدهم على مواجهة الصدمات الموجودة في حياتهم والتعامل معها.
وغالباً ما يتمسك الناس بمهارات النجاة التي يتعلمونها في لحظات الصدمات التي يواجهونها، بغض النظر عما إذا كانت مهارات النجاة هذه لها تأثير إيجابي أو سلبي على حياتهم ومستقبلهم. وعندما يصبحون عالقين في هذه التفاعلات الغريزية، يبدؤون في التخلي عن قوتهم ونتيجة لذلك، قد تشعر بالضعف وتفشل في رؤية الظروف بوضوح. وتبدأ تصوراتك ونظرتك للأشياء تتأثر كثيراً بالصدمة التي تعرضت لها. إذا عوقبت في الماضي على قولك «لا»، فهذا سيؤثر بدوره على ما إذا كنت تشعر بأنك جدير بقول «لا» الآن أم لا!
** **
- رئيسة مجموعة دومينغز