إيمان حمود الشمري
في دعوة خاصة وجهت لنا كإعلاميين سعوديين من معالي وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني لحضور حفل السيمفونيات التراثية تحت عنوان (نغم يمني على ضفاف النيل) في أول فعالية مشتركة بين وزارة الإعلام والثقافة السياحية ومؤسسة حضرموت للثقافة بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية في العاصمة القاهرة، تلك العاصمة التي كانت دوماً منبراً للأدب والثقافة والفنون واحتضان المواهب، لم يكن حضورنا مجرد تلبية للدعوة وإنما أيضاً كان تعزيزاً للروابط والعلاقات بين شعبي المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية، وتعبيراً عن مدى تعاطفنا وتكاتفنا مع الشعب اليمني الذي يربطنا به دم ونسب وأخوّة.
أكثر من 120 عازفاً عشنا وعدنا معهم إلى زمن الفن الأصيل الذي يعبق برائحة التراث اليمني، في قالب أوركسترالي عالمي مع تأليف جمل موسيقية جديدة استخدمت فيها آلات التخت الشرقي. حيث تألقت الفرقة الموسيقية بالعزف على آلات حديثة تندمج اندماجاً كلياً مع آلات قديمة تقليدية كالقمبوس والمدروف والصحن في تناغم منسجم يعكس مجهوداً جباراً لحفل متناسق الفقرات، قطع ثمانية أشهر من التدريب المتواصل بقيادة المايسرو اليمني محمد القحوم ليشكل لنا مقطوعات تحمل تاريخ اليمن العريق على بساط من النغم، ينساب صوت الكورال بتدرج بين انخفاض وارتفاع، وخلف الفرقة الموسيقية لوحات تعكس بيوت الطين التي تشبه إلى حد كبير أشكال البيوت بالمنطقة الجنوبية بالمملكة، وتأخذنا في رحلة استثنائية لبلد الحضارة والفن المعماري، لوهلة تنفصل عن الواقع وعن الكرسي الذي تجلس عليه وتحلق في رحلة أخرى وتسرح بخيالك بعيداً وكأنك تتجول بين شوارع صنعاء وأزقتها الضيقة مروراً بمحافظة حضرموت، وترتفع لتشاهد بيوتها الطينية التي لا يستسيغ أهاليها النهايات المستوية الجافة لجدران مبانيهم حيث يحرصون على وضع ما يشبه الحلية أو التاج فوق مبانيهم لتصبح أشبه بالنهايات المزخرفة.
أعود للواقع وألتفت عن يميني وشمالي لأرى حضور لافت لأغلبية يمنية من أبرز الشخصيات تشارك بحماس بالتصفيق وألسنة تردد مع المطرب بأجمل أغاني التراث اليمني (على مسيري، وخطر غصن القنا) تلك الأغاني التي تعبر عن ثقافة متوارثة ومناسبات وعادات خاصة بأهالي اليمن، ونشاركهم تلقائياً حماسهم بأغان كانت أيضاً ضمن أرشيفنا وذاكرتنا وثقافتنا، تخلل الحفل أيضاَ اللون الغنائي السعودي الينبعاوي بالعزف على آلة السمسمية والذي يتم استخدامه كثيراً في مدن الساحل اليمني.
كان حفلاً مبهجاً سريعاً مختصراً ولكنه قال كل شيء، شرح الفن ببساطة، وجعلنا نشتاق لزيارة هذا البلد وعودة الشرعية والسيادة والسلام له، متمنين أن نراه كما كان يمناً سعيداً، وتعود حضرموت كما فسرها وشرحها كتبة العهد القديم (فناء الموت).