وَرِقَان(1): بفتح أوله، وكسر ثانيه وقد تُسكَّن، وبالقاف، على وزن قَطِران، ونطقه المعاصر (وِرْقَان)، جبل يضرب إلى الحُمْرةِ والسُّمْرَةِ يتدرج لونه للانفتاح كلما صُعِدَ إلى أعلى، وهو جبل عظيم شاهق الارتفاع، يقع في منطقة المدينة المنورة في الجهة الجنوبية الغربية منها على بعد 70 كيلًا تقريبًا، ويظهر جبل ورقان بطرفه الشرقي للسالك لطريق المدينة - مكة السَّريع المعروف بـ(طريق الهِجْرَة) بعد تجاوزه لآبار الماشي ووادي رِيْم يمينًا، ويبعد عنه بحوالي 25 كيلًا غربًا، ويشرف جبل ورقان بطرفه الغربي على طريق المدينة - يَنْبُع السَّريع بالقرب من السَّدَارة، ويبعد عنه بنحو 4 أكيال، ويبدو واضحًا عند منطقة الرَّوْحَاء أو ما تُعرف بمنطقة بِئْر الرَّوْحَاء، كما يظهر أيضًا بوضوح من منطقة الفُرَيْش، وهو يتكون من كتلة جبلية وسلسلة متصلة بعضها ببعضٍ على هيئةِ سُفوحٍ وقِمَم بها رؤوس تتفاوت في الطول ذات شناخيب عسيرة المُرْتَقَى، تمتد من ثنية الغَائِر جنوبًا إلى منطقة الفُرَيْش شمالًا، بطول يبلغ حوالي 30 كيلًا، ويتناقص عرضها تدريجيًا في ناحية الشمال، وتمتد قممه من الشَّلَائل شرقًا إلى سلسلة جبال الأَذَان والعَنَايب وحَمْرَاء زَرْقَاء غربًا، بعرض يبلغ حوالي 10 أكيال تقريبًا، ويشرف جبل ورقان من الجنوب على ثَنِيَّة الغَائِر -وهي الطريق التي سلكها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هجرته إلى المدينة- وعن يمينها للمتجه إلى المدينة جبل رَكُوبَة الذي يربط بين جبل وَرِقَان والجبل الأحمر الذي يقل عنه ارتفاعًا، وبينهما سَطْحَة الغَائِر -وهي محطة للقوافل قديمًا شبه مستوية في بعض الأماكن-، وكانت العرب تضرب بِرَكُوبَة المثل في الشِّدة والعُسْر، وقد قال بشرُ بن أَبي خَازِم الأسدي(2):
سَبَتْهُ ولَمْ تَخْشَ الَّذِي فَعَلَتْ بِهِ
مُنَعَّمَةٌ مِنْ نَشْءِ أَسْلَمَ مُعْصِرُ
هِيَ الْعَيْشُ لَوْ أَنَّ النَّوَى أَسْعَفَتْ بها
ولكِنَّ كَرًّا فِي رَكُوبَةَ أَعْسَرُ
ويشرف جبل ورقان من الشمال الغربي على منطقة الرَّوْحَاء التي لها ذكر في السّيرة النبوية، فقد مَرّ بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بعض مغازيه وفي حجة الوداع، ومَرّ بها الأنبياء -عليهم السلام- في طريقهم إلى البيت الحرام.
وتعد أعلى قمة في جبل ورقان من أعلى قمم الجبال الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث يبلغ ارتفاعها 2400 متر عن سطح البحر، وتتميز قممه باعتدال الجو لارتفاعه الشاهق، وتكثر في قممه وشعابه المدرجات والأشجار الجميلة والظل الوارف، وبها أنواع كثيرة من الأشجار والنباتات، ومنها: العَرْعَر، والجُميز، والعِتْم، والحَماط، والطُّبَّاق، والقَرَظ، والسُّمَّاق، والرُّمَّان، والخَزَم، والبِنُ العربي، والهَيْل، والشَّوحط، والقَتَاد، والنَّخِيل ويُغْرس في أماكن عدة من الجبل، والحَبَق من أنواع النِعْنَاع، والضَّيْمران من أنواع الرَّيْحَان، وغيرها، وفي ورقان شعَاب كثيرة منها: الجَوْف، والحَمَّة، والزَّبَّاد، والصُّوَيْعِدة، والغَائِر، والحَنْجور، وهَبْت، وبُزْرَة الطويلة.
الموقع: يقع جبل وَرِقَان في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة المنورة بين سلسلة من جبال السَّرَوات في إقليم الحجاز على دائرة عرض ((N 23.9769783 درجة شمالًا، وخط طول (E 39.2823143) درجة شرقًا، ويبعد عن المدينة بنجو 70 كيلًا تقريبًا، يحده من الجنوب ثنية الغَائِر، ويحده من الشمال الأَرْفَح وجبل عُضَيْدة والفُرَيش، ويحده من الشرق الشَّلائل وحِضَة، ويحده من الغرب سلسلة جبال الأذَان والعَنايب وحَمْرَاء زَرْقَاء واِلْجِي، ويحده من الجنوب الشرقي وادي رِيْم، ويحده من الشمال الشرقي الضَّمو وشِقَب الذي يفصل بين حِضَة والدوداء، ويحده من الشمال الغربي هَبْت والرَّوْحَاء والسَّدَارة والمُسَيجيد، ويحده من الجنوب الغربي البُزْرَتين الطويلة والقصيرة.
أهم الشِعَاب والرَّوَافِد في جبل وَرِقَان:
أولاً: الشعاب:
من أهم شعاب جبل وَرِقَان الرئيسة هي: (1-شعب الجَوْف، 2-شعب الحمَّة، 3-شعب الزَّبَّاد، 4-شعب الصُّويعِدَة، 5-شعب الغَائِر، 6-شعب الحَنْجُور، 7-شعب هَبْت، 8- بُزْرَة الطويلة). والبُزْرَتَان لها ذكر في المصادر والشعر العربي القديم، فقد خلط بعض البلدانيين والمؤرخين بين (بُزْرَة، وبَرْزَة)(3)، فالأولى: (بُزْرَة)، بضم الباء وإسكان الزاي بعدها راء مفتوحة، وهي عبارة عن شعبين أحدها قصير والآخر طويل، تقع حول ورقان، وتفيض في الجي بالقرب من الرويثة التي يفيض سيلها إلى وادي الصفراء من المضيق، والثانية: (بَرْزَة)، بفتح الباء وإسكان الرّاء بعدها زاي مفتوحة، وهذا الاسم يُطلق على أرضٍ واسعة أسفل وادي رُهَاط فيما بينه وبين غُرَان، ورُهَاط ينحدر من حَرَّة بني سُلَيْم، وبَرْزَة هذه من بلاد كِنَانَة، وهي أقرب إلى بلاد سُليم، ويوم بَرْزَة وقع بين كِنَانة وسُلَيم في هذا الموضع، ووقع بالقرب منه يوم الكُديد بين القبيلتين، وهذا اليوم هو الذي جرَّ يوم بَرْزَة، قال عَبْد الله بن جِذْل الطّعَان:
فِدىً لَهُمُ نفسي وأُمِّي فِدىً لهُمْ
بِبَرْزَةَ إِذ يَخْبِطْنهُم بِالسَّنابِكِ
قال ابن السِّكيت: برزتان أي: بالتثنية - شعبتان قريبتان من الرُّوَيْثَة، تصبان في دَرَج المضيق من يَلْيَل، قال ابن حبيب: بُزْرَة: تدفع في الرُّوَيْثَة، على بئر الرويثة العذبة، قال نصر: بُزْرَةُ: بالضم: ناحية على ثلاثة أيام من المدينة بينها وبين الرُّويثة، قال الزبيدي: بُزْرَةُ: موضع بَين المَدِينَةِ والرُّوَيْثَة، على ثلاثةِ أَميالٍ (الصواب: أيام) من المدينةِ، عَن نَصْرٍ، قَالَ كُثَيِّرٌ:
يُعَانِدْنَ في الأَرْسَانِ أَجْوازَ بُزْرَةٍ
عِتَاقُ المَطَايَا مُسْنَفَاتٌ حِبَالُها
قلت: والخلاصة إن البُزْرَتين موضعان مازالا بالاسم نفسه إلى اليوم، وتبعد عن المدينة بمسافة 105 أكيال تقريبًا، ويُطلق على أحدها بُزْرَة القصيرة، وعلى الأخرى بُزْرَة الطويلة -وهي التي تنحدر من غرب ورقان- وجميعها تتجه سيولها غربًا إلى أن تلتقي بوادي اِلْجِي الذي ينحدر إلى مجمع الأسيال في النَّازية، ومنها إلى وادي الصَّفراء عبر المضيق.
ثانيًا: الروافد:
من أهم روافد جبل وَرِقَان التي تنحدر إلى الشعاب الرئيسة هي: (شعب المعْيَن، شعب أَبَا البَارِد، شعب الرّمْثَة، شعب الأَسَيْل، شعب سُقَيْمَة، شعب الهَوْل الأَعْلَى والهَوْل الأَسْفَل، شعب حَمَاط، شعب الحَمَاط، شعب النَّقِيل، شعب الرَّى، شعب التَّنْضُب، شعب الصّلَّان، شعب العَيْن، شعب عَيْن الرَّيَّانة، شعب الرَّيَّانة، شُعْبي العَطْشَانة، شعب المَفْرِق، شعب الموَيْشع).
أعلى قمم جبل وَرِقَان من الشمال إلى الجنوب:
1- قمة (المَلِكَة): وهي على شكل تاج، ينطقها أهل وَرِقَان (المَلْكَة) بسكون اللام، 2- قمة (العَفْرَاء)، 3- قمة (الضُّرْوَيْن)، 4- قمة (أُم أَبَارِيق)، 5- قمة (أُم سَنَام)، 6- قمة (الحصْن)، 7- قمة (المنْحَنية)، 8- قمة (القُرُون)، 9- قمة (أبو رِبَاع)، 10- قمة (المُوَيْشِع والسَّيَّال)، 11- قمة (الشِّدَاد) -وهي بوصف شِدَاد البعير، ولها أربعة رؤوس وقمم تقع في منتصف جبل ورقان من الناحية الشرقية، وبها قمتين تُسمَّى (الجُرْب)، وبها قمة تُسمَّى (حَمَاط) نسبة إلى شعب الحَماط الذي تكثر به أشجار الحَمَاط، وبالشداد أعلى قمة شاهقة في جبل روقان من الناحية الجنوبية الغربية تُسمّى (أُم قُبُور) يصل ارتفاعها إلى 2400 مترًا عن سطح البحر، وفي شمال القمة ماء اللَّاوي وهو لا يجف أبدًا يُسَمَّى نشح، ويُقَال له: حِسو، وهو الماء القليل-،12- قمة (الحِزِم)، 13- قمة (النُّويْري)، 14- قمة (القُبْع والزُّرَيّبَة).
بعض الأماكن والمعالم في جبل ورقان وما حوله في عدة جهات:
من أهم الأماكن والمعالم في جبل وَرِقَان وما حوله في جهات عدة هي: (رِيْع الجَوْف، رِيْع الزَّبَّاد، ريع ثُمَيْرة، فَارع الذِّكَيْريَّة، فَارِع اللَّبْة، فارع القَرَارَة، فارع الفَرَعَة، فارع الهُوبَاتَة، صخور السّحْمَا، صخور الحِبْس، وادي قَضِين، وادي رِئْم، أو رِيْم، وادي الرَّس، الشَّلائِل، ريع المسْحِنة، شعب الظباء، الجَرْف، حِضَة، فَاعِية، الدَّودَاء، الأَسْفَع، فارع نَوْفَل، فارع النّخلة، جَامِرَة، طرف ظَبْيَة، مَرَى الطويل ومَرَى القصير، سَفَا، هَبْتُ، الأُخَيَّات، النُّجَيْمَات.
جبل وَرِقَان في الأحاديث والآثار:
- عن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مقعد الكافر في النَّار مَسِيرة ثلاثة أيام، كُل ضِرْس مِثْل أُحُد، وفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَان، وجَلْدُه سِوَى لَحْمِه وعِظامِه أربعُون ذِراعًا»(4).
-وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضِرْسُ الكَافِر يوم القيامة مِثلُ أُحُدٍ، وعَرْضُ جِلْدِهِ سبعون ذِراعًا، وفَخِذُه مَثْل وَرِقَان، ومَقْعَدُه مِنَ النَّارِ مِثْل ما بَيْنِي، وبين الرَّبَذَة»(5).
- وعن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضِرْسُ الكافرِ مثل أُحُد، وَفَخِذُه مِثْل وَرْقَان -قال أَبُو عَصْمَة: جَبَلٌ- وَعَرْضُ جِلْدِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا»(6).
- وروى ابن زَبَالة (ت:199هـ) عن عَمْرو بن عَوْف المزني قال: أول غزوة غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه غزوة الأبواء، حتى إذا كان بالرَّوْحَاء عند عِرْق الظُّبْيَة قال: هل تدرون ما اسم هذا الجبل؟ يعني ورقان، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حَمْت جبل من جبال الجنة، اللهم بارك لنا فيه، وبارك لأهله فيه...إلخ(7).
- وقيَّدهُ أبو عُبَيْد البكري (ت:487هـ) في «معجمه»(8): وَرِقان -بكسر «الراء»-، وذَكَر أنه من أعظم الجبال، وذَكَر أن فيه أَوْشَالًا وعُيونًا عِذابًا، وَذَكَر -أيضًا- الحديث، وهو قَولُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «ضِرْسُ الكَافرِ في النَّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، وفَخِذُه مثل وَرِقَان». وفي حَديثٍ آخر أنَّه -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ آخر مَن يَمُوتُ من هذه الأُمَّة، فقال: «رَجُلانِ من مُزَيْنة ينزلان جبلًا من جِبَال العَرِبِ، يقال له: وَرِقان فَيُحْشَر النَّاسُ ولا يَعْلَمَان».
- قال أبو القاسم السُّهَيْلي (ت:581هـ): ورقان: اسم جبل، وقال: وقع في نسخة سُفيان: وَرَقان -بفتح الراء-، وقيَّده أبو عُبيد البكري: وَرِقَان -بكسر الراء-، وذكر السهيلي ما أنشده الأَحْوَص، ثم قال: ويُخَفَّف، فيقال: وَرْقَان، ثم ذكر الأحاديث التي سبق ذكرها عند البكري(9). قلت: ونطقه المعاصر (وِرْقَان) بكسر الواو وسكون الراء بعدها قاف.
- قال مجد الدين، ابن الأثير (ت:606هـ): «وَرِقَان هُوَ بوَزْن قَطِرانٍ: جَبَلٌ أسْودُ بَيْن العَرْج والرُّوَيْثَة، عَلَى يَمين المَارِّ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّة». وقال: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «رَجُلانِ مِن مُزَيْنَة ينْزِلان جَبَلًا مِنْ جِبال العَرب يُقَالُ لَهُ وَرِقَان، فَيُحْشَر النَّاسُ وَلَا يَعْلمَان»(10).
- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ) في «الفتح»(11): «وَرْقان بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف، جبل معروف بالحجاز». وقال ابن حجر في موضع آخر: عن مُحَمَّد بن طَلْحَة التَّيْمِيِّ قَال سَمِعْت أنَّه أسَّسَ البَيْت من سِتَّةِ أَجْبُلٍ من أبي قُبَيْس ومن الطُّورِ ومن قُدْسٍ ومن وَرْقَان ومن رَضْوَى ومن أُحُدٍ الطَّرِيق الثَّالِثَة(12).
جبل وَرِقَان في معاجم البلدان والأخبار:
ذكر كثير من العلماء جبل وَرِقَان وحددوا موضعه؛ إلا أن بعضهم جعل ورقان على يمين المصعد من المدينة إلى مكة، وهو خطأ كما بينه حمد الجاسر وعاتق بن غيث البلادي -رحمهما الله تعالى-، والصواب: على يسار المصعد من المدينة إلى مكة كما سيأتي في قول عَرّام السُّلَمي، والطريق من المدينة إلى مكة تمر بالسّيالة ثم الروحاء...إلخ، فكيف يقع ورقان على يمين المار؟!
1- قال عرَّام بن الأَصْبَغ السُّلَمِي: «...ولمن صدَرَ من المدينة مُصْعِدًا أول جبلٍ يلقاه من عن يساره وَرِقَان، وهو جبلٌ أسود عظيم كأعظم ما يكون من الجبال، ينقاد من سَيَالة إلى المُتَعَشَّى بين العَرْجِ والرُّوَيْثَة ويقال للمتعشَّى الجِي، وفي وَرِقَان أنواع الشَّجر المثمر كلِّه وغير المثمر وفيه القَرَظ، والسُّمَّاق، والرُّمَّان، والخَزَم، وأهل الحجاز يسمون السُّمَّاق الصمخ، وأهل نجد يسمونه العرتن واحدته عرتنة، والخزم: شجر يشبه ورقه ورق البردى، وله ساق كساق النخلة يُتخذ من الأرشية الجياد، وفيه أوشال وعيون وقِلات، سُكانُه أَوْسٍ من مُزَيْنَة، أهل عمود ويَسَار، وهم قوم صدق، وبسفحه من عن يمين سَيَالة ثم الرَّوْحَاء ثم الرُّوَيْثَة ثم الجِي، ويعلو بينه وبين قُدْس الأَبْيَض ثنية بل عَقَبة، يُقال لها رَكُوبة، وقُدْس هذا جبل شامخ ينقاد إلى المتعشَّى بين العَرْج والسُّقْيَا ثم يقطع بينه وبين قُدْس الأسود عَقَبة يقال لها حَمْت...»(13). قلت: قُدْس الأبيض يُسمّى اليوم (الجبل الأحمر أو جبل خَلْص)، وقُدْس الأسود يُسمّى اليوم (أُدْقس)، وعقبة حَمْت التي بين القُدْسين الأبيض والأسود تُسمّى اليوم (خَضْلَة).
2- قال القاضي وكيع (ت:306هـ): في كلامه عن السَّيَالة في خبر الطريق من المدينة إلى مكة: «...والجبلُ الأحمر يسرة، إذا خرجت يقال له وَرِقَان...»(14).
3- قال نصر الإسکندري (ت:516هـ تقريبًا): «وَرِقَانَ: أمَّا بكسرِ الرَّاء، كَمَلِكَان: جبل أسود، أوّل جبل يلقاه من صَدَرَ عَنِ المدينة مُصِعْدًا من عن يمينه يَنْقادُ من سَيَالَةَ إلى المُتَعَشَّى بين العَرْج والرُّويْثَة، يَدْفَعُ سَيْلُهُ إلى رِيْم»(15). قلت: بل على يسار المصعد من المدينة إلى مكة.
4- قال الحازمي (ت:584هـ): وَرِقَان: بكسر الرَّاء على وَزْنِ مَلِكَان: جبل أسود بين العَرْج و الرُّوَيْثَة على يمين المُصْعدِ من المدينة إلى مكَّة يَنْصَبُّ مَاؤهُ إلى رِيْم، قال نوفل بن عمارة بن الوليد(16):
أرَى نَزَوَاتٍ بَيْنَهُنَّ تَفَاوُتٌ
وَلِلدَّهْرِ أحْدَاثٌ وَذَا حَدَثَان
أَرَى حَدَثًا مَيْطَانُ مُنْقَلِعٌ لَهُ
وَمُنقلِعٌ مِنْ دُوْنِهِ وَرِقَانُ
-5 قال ياقوت الحموي (ت:626هـ): وَرِقَان: بالفتح ثم الكسر، والقاف، وآخره نون، بوزن ظَرِبان، ويروى بسكون الراء، قال جميل:
يا خليليّ إنّ بَثْنَةَ بانت
يوم ورقان بالفؤاد سَبيّا
وقال: الصواب ما أثبتناه في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: خير الجبال أُحُدٍ والأَشْعَر وَوَرِقَان، جبل أسود بين العَرْج والرُّوَيْثَةِ على يمين المُصْعدِ من المدينة إلى مكَّة يَنْصَبُّ مَاؤهُ إلى رِيْم. وذكر ياقوت: قول عَرَّام بن الأصبغ في «أسما ء جبال تهامة» الذي ذكرناه سابقًا إلا أنه جعل حمتًا بين قدس وورقان، والصواب: أن حمتًا بين القُدْسين الأبيض والأسود، وتُسمى اليوم خَضْلَة، وقال: قال أبو سلمة يمدح الزبير(17):
إنَّ السَّمَاحَ من الزُّبَيْرِ محَالِفٌ
مَا كان من وَرِقَانَ رُكْنٌ يَافِعُ
فَتَحَالفَا لا يَغْدُرَانِ بِذِمَّةٍ
هَذَا يَجُودُ بِهِ وهَذَا شَافِعُ
6- قال عبد المؤمن القطيعي البغدادي (ت:739هـ): «وَرِقَان بالفتح، ثم الكسر، والقاف، وآخره نون: بوزن ظَرِبان. ويُرْوَى بسكون الراء، وهو جبل أسود بين العَرْج والرُّوَيْثَة، على يمين المُصْعد من المدينة إلى مكة ينصبُّ ماؤه إلى رئم، وهو من جبال تهامة»(18).
7- قال عبد الله بن أسعد اليافعي (ت:768هـ) في حوادث السنة 732هـ: «وبلغني أنه حجَّ مع السلطان الملك الناصر في بعض حجَّاته، وكان قريبًا منه -أي: فخر الدين-، فلما مرَّ السلطان بوادي بني سَالِم -وهم جذم رئيس من قبيلة حرب-، بدا له جبل ورقان، فقال: يا فخر من في رأس هذا الجبل؟ قال: غلمان مولانا! قال: ليس النازلون في هذا الجبل لي بغلمان. يعني أن من كان ساكنًا في هذا الجبل المنيع العالي، فليس لي في طاعة، ولا بي مبال، وفي هذا المعنى خطر لي هذان البيتان:
إذا ما كنت في حصن
علا في رأس ورقان
فإني لا أبالي
بوالٍ أو سلطان
وقال: هذا الجبل المذكور يؤتى منه بالعسل الفائق المشكور، وأخبرني من له به خبرة أن فيه أشجارًا ونباتًا وأزهارًا كثيرة يطول في ذكر أسمائها التعداد، ولا يوجد في غيره من البلاد»(19).
8- قال الفيروزآبادي (ت:817هـ): رَكُوبَة: بفتح أوله، وبعد الواو باءٌ موحدة، وهي ثنية بين مكة والمدينة عند العَرْج، صعبة شاقة، يضرب بصعوبتها المثل، سلكها النبي -صلى الله عليه وسلم- عند مهاجره إلى المدينة، قرب جبل وَرِقَان، وقُدْس الأبيض...إلخ(20).
9- قال السمهودي (ت:911هـ): حَمْت: بالفتح ثم السكون، اسم لجبل وَرِقَان؛ وقال عَرَّام: ويقطع بين قُدْس الأبيض وقَدُس الأسود عقبة يقال لها: حَمْت، قال الزبير: حَمْتُ وصَوَرَى من صدور أَتَمة ابن الزُّبَيْر(21). قال ياقوت: صَوَرَى: بفتح أوّله والثاني والثالث، والقصر: موضع أو ماء قرب المدينة، عن الجرْمي، قال ابن الأعرابي: وادٍ في بلاد مُزَيْنَة قرب المدينة، وقال السمهودي: صَوَرَى: كجَمَزَى، هي بجهة النَّقيع، يُعرف اليوم بصوريَّة بزيادة هاء. ينظر: معجم البلدان: (3- 432)؛ وفاء الوفا: (4-107). قلت: نطقه المعاصر صوَرِي، وهو شعب ينحدر سيله من سلسلة جبل قُدْس الأسود المعروف بـ(أُدْقس) إلى ناحية الشمال الغربي ويتجه إلى فرشة الشَّامي، ثم ينعطف بعدها إلى جهة الشرق ويلتقي بعدة روافد منحدرة باتجاه الأَتَمة، ومنها تفيض جميعًا في وادي النقيع شرقًا. والأَتَمَة تُنطق اليوم اليَتَمة بتخفيف الهمزة إلى ياء.
10- قال الجاسر -رحمه الله- (ت:1421هـ): وَوَرِقَانُ لا يزال معروفًا، وهم يُسَكِّنُوْن الراء، وليس عن يَمِين المُصْعِد من المدينة، بل عن يساره، كما نقل أبو الأشعث، وسيالة والعَرْج والرُّوَيْثَة من منازل الطريق، والجِيُّ وادٍ لا يزال معروفًا، وكذا العَرْج، ووادي رِيْم لا يزال معروفًا، وهو أعلى وادي العَقِيْق يفيض فيه سيل النَّقِيْع، ويقع وَرِقَانُ بقرب (خط الطول: ((39°16، وخط العرض: ((23°59، وهو مُشْرِفٌ على الرَّوْحَاء من الشَّرق، وسَيلُهُ يَفِيضُ إلى جِهَاتٍ مُتعدِدَةٍ؛ غربًا في وادي الفُرَيْش، وشمالًا في وادي الجِي(22). قلت: سيل جبل وَرِقَان يَفِيضُ غربًا في وادي اِلْجي، ويفيض شمالًا كسلسلة ممتدة في وادي الفُريْش.
وقال الجاسر -أيضًا: وَرِقَان: جبل عظيم بقرب المدينة تنحدر بعض سيوله إلى وادي ريم، ثم إلى العقيق، عقيق المدينة. قال: ونظير مَلِكَانَ في الوزن وَرِقَانُ، وهو الذي يقول فيه الخُضْريُّ وهو من خُضْرِ بن محارب بن خَصَفَة(23):
لَوَ أنَّ الشُّمَّ مِنْ وَرِقَانَ زَالَتْ
وَجَدْت مَوَدَّتِيْ بِك لَا تَزُولُ
فَقُلْ لِحَمَامَةِ الخَرْجَاء سَقْيا
لِظِلِّكِ حيْثُ يُدْرِكُكِ المقِيْلُ
11- قال عاتق بن غيث البلادي -رحمه الله- (ت:1431هـ): ورقان يضبطه الجغرافيّون بكسر الرّاء، وأهله يسكّنونه، وأظنّه بالسّكون، يؤيّد ذلك قول جميل:
يا خليليّ إنّ بثينة بانتْ
يوم وِرْقان بالفؤاد سبيًّا
وقال البلادي -أيضًا: هو جبلٌ أشهب وليس بأسود كما تناقلته كتب المتقدّمين، ذو شناخيب عسر المرقى، إذا أقبلت على الرَّوْحَاء آتيًا من المدينة كان ورقان على يسارك، تراه شاهقًا. ثم قال: ومياهه مقسومةٌ بين غورٍ وجَلْس، الغَور في وادي الصَّفراء والجَلْس في وادي الفُرَيْش ثمّ مَلَلٍ فإضمٍ. ثم قال: يبعد ورقان جنوب المدينة (70) كيلًا. وقال -أيضًا: وَرِقَان: جبل أمغر ذو شناخيب متعددة يشرف على الروحاء من مطلع الشمس تراه عن قرب من أشمخ جبال تلك الناحية، فيه العديد من الأشجار التي لا تنبت في السهل كالنبع والخزم والشوحط وغيرها. ثم قال: وتسيل منه شعاب كثيرة، منها: الفُرَيْش في مَلَل، وسَفَا وهَبْت في السَّدَارة، والجِي في وادي الصَفْرَاء عند المضيق(24).
... ... ... ... ...
الهوامش:
(1) ينظر: جبل ورقان في الآثار والأخبار والأشعار، تأليف: بندر بن حسين الزبالي الحربي، دار قدموس للنشر والتوزيع، الظهران، 1443هـ/2021م، (ص9-50).
(2) ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي، (ص70).
(3) ينظر: معجم ما استعجم، للبكري: (1/247-248)؛ الأماكن، للحازمي: (1/117-118)؛ الأمكنة والمياه والجبال والآثار، للإسكندري: (2/166-167)؛ معجم البلدان، لياقوت الحموي: (1/383)، (1/410)، (2/394)؛ ديوان كثير عزة، (ص82)؛ المغانم المطابة، للفيروزآبادي، (ص55)؛ وفاء الوفا، للسمهودي: (4/28)؛ تاج العروس، للزبيدي: (10/169)
(4) أخرجه الإمام أحمد في المسند: (11232)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: (18606)، وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه: ابن لهيعة، وقد وثق على ضعفه.
(5) أخرجه الإمام أحمد في المسند: (8345)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: (18607)، وقال: رَوَاه التِّرْمِذِي غير أنَّهُ قَال: «وَغِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَهُنَا سَبْعُونَ». رَوَاهُ أحمد، ورِجَاله رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْر رِبْعِي بن إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ثِقَةٌ.
(6) الحديث رواه البزار، قال الهيثمي: وفيه عباد بن منصور، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات، مجمع الزوائد: (18610).
(7) وفاء الوفا: (3/164). وعرام ذكر أن حمتًا عقبة بين القدسين.
(8) معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، للبكري: (4/1377- 1378).
(9) الروض الأنف، للسهيلي، (1/166).
(10) ينظر: البداية والنهاية، لابن كثير: (20/139).
(11) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر: (11/423).
(12) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر: (6/407).
(13) أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ص15-17).
(14) كتاب الطريق، للقاضي وكيع، أو كتاب المناسك، للحربي (ت: 285هـ)، (ص443).
(15) الأمكنة والمياه والجبال والآثار، للإسكندري: (2/577).
(16) الأماكن، للحازمي: (2/912-913).
(17) معجم البلدان، لياقوت الحموي: (5/372).
(18) مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لعبدالمؤمن القطيعي: (3/1309).
(19) مرآة الجنان، لابن أسعد: (4/214)؛ قلادة النحر، للهجراني: (6/202-203).
(20) المغانم المطابة، للفيروزآبادي، (ص159)؛ وفاء الوفا، للسمهودي: (4/82).
(21) وفاء الوفا، للسمهودي: (4/64).
(22) الأمكنة والمياه والجبال والآثار، للإسكندري: (2/578).
(23) المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، شمال المملكة: (3/1265).
(24) معجم المعالم الجغرافية في السيرة، ص333، معجم معالم الحجاز، (9/1804-1805).
** **
- بندر بن حسين الزبالي الحربي