إن التواصل بين أجيال المجتمع الواحد عبر العصور المختلفة لا يتم إلا بواسطة اللغة، وهي الأداة التي تعتمدها التربية وعلومها. ترتبط اللغة بين الثقافة وأبناء بيئته تلك الثقافة، واللغة هي الوسيلة الأولى لنقل الثقافة خارج حدودها، لذا فإن ما يقترب على العولمة الثقافية هو هذا الربط بين الثقافة واللغة، حيث إن الإنسان في هذا العصر لم يعد ينتمي إلى ثقافة أرضه ودينه.
ولا يتم نشأة الثقافة ونموها بدون اللغة التي تمكن الإنسان من تحقيق التعاون والاتصال مع غيره، لأن اللغة هي جزء من الثقافة وهي الناطق الرسمي باسم الثقافة، فلا يمكن للإنسان أن يشرح للآخرين وجوه التميّز الثقافي لدى أمته وشعبه ولا يمكن أن يتعرّف على الثقافات الأخرى في هذا العالم.
الثقافة هي جميع النتاجات المادية والمعنوية التي أنتجتها المجتمعات عبر تاريخها في سبيل الحفاظ على ديمومة واستمرارية حياتها، واللغة جزء من هذا النتاج لأن المجتمعات تؤسس نفسها من خلال اللغة، واللغة لا تكسب الثقافة فقط لأبنائها، بل تنقلها من شعب إلى آخر، من أمة إلى أمة أخرى، وهذا يعني أن تعليم أية لغة وتعلمها لا بد وأن يتم في إطار ثقافتها.
إن هناك علاقة وطيدة بين الثقافة واللغة، فلا ثقافة بلا لغة، ولا لغة بلا ثقافة، فاللغة والثقافة مرتبطان معاً لا تنفك أحدها عن الأخرى. تحتفظ اللغة بالتراث الثقافي جيلاً بعد جيل، وتجعل للمعارف والأفكار البشرية قيمها الاجتماعية بسبب استخدام المجتمع للغة.
إن اللغة والثقافة جزء لا يتجزأ، تنشأ وتترعرع في وقت واحد، وهذا ما تجسده قوة العلاقة بينهما وترابطهما المتين، فاللغة والثقافة على حدّ سواء كوسيلة لاستخدام الرموز في بناء الهوية الاجتماعية والحفاظ على التماسك الاجتماعي في إطار مجموعة اجتماعية.
الثقافة ظاهرة خلقية وتوعوية تنجم بين بني البشر، فاللغة هي مصدرها ونبع وجودها، تخلقها مبادئ التدوين والمشافهة التي عمادها وسائل الإعلام، وما يبرزه الفكر التنويري من نتاجات فكرية، تستند عليها الرموز والدلالات التي بدورها تعتبر وسائل تعبيرية لا يمكن الاستغناء عنها في عملية التواصل للمعرفة البشرية والإنسانية.
وهذه اللغة التي تساعد على استدراك النهضة الفكرية في جوانبها كافة، وتشكل ظاهرة اكتساب معرفة جديدة لبناء الشخصية المعطاءة المتسمة بروح التفاؤل في الأخذ والعطا، ولا يمكن بناء اللغة والثقافة خلال يوم واحد، بل إن اللغة والثقافة هي نتيجة لتراكم آلاف السنين، فالاهتمام باللغة هو فاتحة العمل الثقافي لأن اللغة ركن أساسي من أركان الثقافة، وإن أي عمل ثقافي لا يبدأ إلا باللغة. واللغة أيضا جزء من ثقافة المجتمع الذي يتحدث تلك اللغة. والبشر يستخدمون اللغة كوسيلة للتعبير الهوية الثقافية.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية - كولكاتا - الهند
merajjnu@gmail.com