لا شك أن في كل علاقة صراعات ومشاجرات لا سيما في الحياة الزوجية وهذا أمر طبيعي. ومن النادر أن يمر الأزواج بحياتهم الزوجية بدون مواجهة المشاكل والصراعات. لأن الحياة الزوجية مختلطة بالأفراح والأتراح. قد تكون لصراعات تقع بين الأزواج حلاوة وطلاوة سيتمتع بها كل من الزوجين بعد مرور مدة قصيرة أو طويلة. وقد يكون بعض الصراعات سبباً لتعزيز العلاقة ونمو المودة وانبعاث المحبة بينهما بدون أن يشعر بها أحد. عندما تكون بين الزوجين صراعات عادية يمكن لكل واحد منهما أن يفهم الآخر بشكل جيد. وهكذا بعد غروب شمس الصراعات من حياتهما ستطلع بينهم شمس التفاهم والمحبة ويتلقى كل واحد منهما بصائص المودة المبعثرة في هواء الأسرة وأجواء البيت.
ومن المعلوم لدى الجميع أن المقبلين على الزواج من الفتية والفتيات يظنون أن الحياة الزوجية نهاية فرحة حياتهم وبداية مشقة العيش وكأن الزواج جسر يؤدي إلى عالم الصراعات والمشاكل. ويتفكرون بما حدث في الحياة الزوجية لمن كان قبلهم في زاوية من زوايا البلاد ويقارنون ما يحدث لهم بما حدث لمن كان قبلهم في العائلة والقرية فيقلقون على ذلك ويجعلون من الحبة قبة في مكان غير مناسب وهم لا يشعرون أن مقارنة حياتهم بحياة الآخرين هي إشعال فتيل الحرب في حياتهم.
ثمة مشكلة مهمة تنبت بين الأزواج عندما يعلم كل واحد من الطرفين أنهما غير قادرين على إنجاب الأولاد فأصبحا في غاية القلق والغم. في الحقيقة متى يكون عدم القدرة على إنجاب الأولاد مشكلة رئيسية في الحياة الزوجية؟ ولماذا يقلق الأزواج فيه؟ وهل هناك حل مناسب لتعزيز العلاقات بين الأزواج وإن لم يكن لهم حظ في الإنجاب؟
أجل! ثمة حل مناسب لتعزيز العلاقات بين الأزواج ولو كانوا غير قادرين على الإنجاب ولكن مقبض حبل هذا الحل يمتد إلى ما قبل الزواج، نعم بالتحديد عند بناء أهداف الزواج وهذا واجب على كل واحد من الفتية والفتيات وعليهم اتخاذ الأهداف الصحيحة والمناسبة والإيجابية بالإضافة إلى توقعاتهم عن صفات شريك الحياة أو شريكة الحياة. أجل! إن معظم الرجال والنساء يعتقدون أن هدف الزواج هو الحفاظ على استمرارية النسل الإنساني فقط ولكن الأمر ليس كذلك أن للزواج أهدافاً كثيرة ومنها إعفاف النفس وإكمال الدين والاستمتاع واحتساب الأجر في ذلك. ليست الغاية من الزواج في الشريعة الإسلامية إشباع غريزة الجنس عند الإنسان فقط، بل ثمة أهداف أخرى تجلب الخير إلى الزوجين والمجتمع بأكمله. ومنها تحقيق السكون والطمأنينة القلبية وإنقاذ المجتمع من الأمراض والانحلال الخلقي وأهم من كل هذا وذاك ترويح النفس بين الزوجين في المواقف الصعبة وأن يكون كل واحد منهما في جانب الآخر لترويح النفس ربما يمكن لكلمة واحدة من كليهما أن تطفئ نار الهموم والغموم وأن تنبت في قلوبهما الطمأنينة والسكينة وهذا ما رأيناه في الحياة الزوجية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حين جاء النبي صلى الله عليه من غار حراء فقال لخديجة ما حدث له وهو في الغار قائلاً: لقد خشيت على نفسي قالت له خديجة: إنَّي قد خشيت على نفْسي، فقالتْ: كلاَّ، والله لا يخزيك الله أبَداً، إنَّك لتصل الرَّحِم، وتصْدُق الحديث، وتحْمل الكلّ، وتَقْري الضَّيْف، وتكسب المعدوم، وتؤوي الضعيف وتُعينُ على نوائب الحق.
نعم، لقد أدت خديجة دورة الزوجة بأحسن وجهها وقد أصبحت مساندة ومساعدة لزوجها في الأوقات المناسبة وقد قامت بترويح نفس زوجها عند الحاجة. وبذلك تعد خديجة بنت خويلد خير مثال على أداء دور الزوجة الحقيقية بأفضل الوجه.
أيها الشباب والفتيات المقبلين على الزواج اجعلوا أول هدفكم من الزواج ترويح النفس لأنه يحيط بكم فرحاً وسروراً طوال حياتكم الزوجية سواء أن رزقكم الله بأولاد أو لم يرزق بهم لأنه هناك يبقى هدف رئيسي طوال حياتكم الزوجية ويمكنهم العيش بكل الفرح والطمأنينة وسكينة القلب. وماذا إن كان لكم أولاد بدون راحة النفس؟ وماذا إن كان هدفكم الرئيسي من الزواج ذرية فقط وأنتم غير قادرين على الإنجاب؟ وبذلك لا تكونوا ممن تتقلّب حياتهم رأساً على عقب بسبب عدم الإنجاب، بل قوموا بتغيير مسيرة حياتكم الزوجية إلى غاية التمتع وترويح القلب واسمحوا لقلوبكم بمعانقة قلوب شريك حياتكم وارسموا على صفحات حياتكم صورة لأفضل نموذج للحياة الزوجية السعيدة.
** **
- باحث في اللغة العربية وآدابها