د.عبدالله بن موسى الطاير
يقدر الناتج المحلي للدول التي تفرض عقوبات على روسيا وهي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، واليابان، وسويسرا، وأستراليا، وكندا، وكوريا الجنوبية، ونيوزيلندا، وتايوان بحوالي 52 تريليوناً من إجمالي الناتج المحلي العالمي المقدر بنحو 92 تريليون، أي إنه يمثل ما نسبته 56 %. أما تلك التي تقف في خندق روسيا، وهي دول قليلة لا تذكر، أو تلك التي تلتزم الحياد في هذه الأزمة فتمتلك نسبة لا تتجاوز 44 % من الناتج المحلي العالمي.
تستطيع دول صاعدة وأخرى طامحة مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وإندونيسيا وجنوب إفريقيا والمملكة، وغيرها من بقية دول العالم أن تشكل ثقلاً في وجه الدول الليبرو- ديموقراطية من أجل إنتاج نظام عالمي متوازن، ومتعدد الأقطاب، لكن امتلاك 36 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة أكثر من نصف الناتج المحلي العالمي وتحكمها في النصف الآخر من خلال سلطة الدولار والنظام المالي العالمي يجعل خيارات الدول الصاعدة والطامحة في موازنة النظام العالمي المختل محدودة.
وإذا كانت الأزمة الروسية الأوكرانية قد أثبتت أن النظام العالمي الذي بنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤسساته الحكومية الدولية قد مال كل الميل لصالح أمريكا وحلفائها، فإنه يجدر بالبقية (157 دولة) أن تعيد النظر في مؤسساتها الحكومية الدولية وبعثها من مراقدها لعلها تعقلن الفوضى التي قد تخلفها الحرب الروسية على أوكرانيا.
لن تجرؤ دولة ولو كانت الصين على تعليق الجرس منفردة، ولكن تستطيع الدول من خلال المؤسسات الحكومية الدولية القائمة على بدء المحاولة لموازنة المصالح، وتعددية النظام العالمي الحالي، حيث سيتعذر على أمريكا والاتحاد الأوربي فرض عقوبات جماعية على عشرات الدول دفعة واحدة.
ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، بعضوية 57 دولة، تتخذ من مدينة جدة في المملكة مقراً لها؛ وهي منظمة التعاون الإسلامي، وعلى غرار البنك الدولي فإن لدى هذه المنظمة جهازًا متخصصًا في التنمية والتمويل هو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، بموارد واستثمارات مالية ضخمة. وإلى جانب منظمة التعاون الإسلامي يأتي الاتحاد الإفريقي الذي يتخذ من أديس أبابا مقرًا له بعضوية 55 دولة، فجامعة الدول العربية بعضوية 22 دولة، ومنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك التي تضم 11 دولة، ورابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة بالآسيان وعدد أعضائها 10 دول.
المواجهة بين 36 دولة، وبين بقية دول العالم لا يمكن أن ينتج استقرارًا دوليًا إذا لم يكن الطرف الأضعف منتظمًا في مؤسسات دولية حكومية متعددة قادرة على توحيد قرار الدول الأعضاء. وليس هناك نية للخروج على الأمم المتحدة، ولكن إصلاح هذه المنظمة بات مطلبًا ملحًا لدول العالم بعد انكشافها في هذه الأزمة. اللجوء إلى المنظمات الدولية القائمة سيمكن دولها الأعضاء في حالة التنسيق السياسي والاقتصادي من إسماع رأيها، وفرض قرارها فيما يتعلق بالأمن والسلم والاستقرار العالمي. وبدلاً من تحرك الدول فرادى للمطالبة بإصلاح النظام العالمي الحالي يمكن التحرك بشكل جماعي.
سيكون منطقيًا لو تحركت منظمة التعاون الإسلامي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن لدولها الأعضاء، وكذلك لو فعل الاتحاد الإفريقي، بحيث يتوسع المجلس من 5 دول أعضاء دائمة العضوية إلى 7 دول، ويكون حضور تمثيل المنظمتين في مجلس الأمن من خلال التناوب بحسب رئاسة القمة والوزاري ودولتي المقر، وهو أمر إجرائي يمكن تنسيقه. ربما يكون الوقت مناسبًا للمطالبة بمشاركة فاعلة من بقية دول العالم في قرار تسيير شؤون عالمنا إذ ليس من المقبول ولا المنطقي أن تستعلي 36 دولة يمثل عدد سكانها نحو مليار إنسان على بقية دول العالم التي يمثل سكانها نحو 7 مليارات شخص.
إذا كانت العدالة في توزيع الثروات منقوصة بفضل التجربة الاستعمارية، ثم احتكار التنمية والتقنية والعلوم وأسرار الصناعات المتقدمة، والهيمنة السياسية والعسكرية التي تبوأت الأقلية بموجبها سدة العالم الأول، وحولت الأغلبية الساحقة من شعوب العالم إلى مستهلكة لمنتجات الغرب الليبرو- ديموقراطي أو متلقية لمساعداته إلى عالم ثالث، واضعة بين العالمين برزخًا (العالم الثاني) لتأكيد التفوق والاستعلاء الحضاري والثقافي والاقتصادي والعسكري للعالم الأول، فإن الفرصة مواتية للعالم الثالث لتعديل كفة النظام العالمي المائلة. ومرة أخرى لن ينجح ذلك من خلال تحركات منفردة وإنما من خلال المنظمات الحكومية الدولية القائمة.