عمر إبراهيم الرشيد
محببة إلى النفس هي قصص الكفاح، لما تحويه من دروس ورسائل إيجابية، ومن تحفيز على عدم الاستسلام للمصاعب وأنها فرص وتحديات لقدراتنا الكامنة التي قد لا نعي وجودها في أنفسنا. هو شاب وزميل لي في العمل، شعلة في النشاط والتميز المهني في مجاله تقنية المعلومات. حدثني عن قصته فقال دخلت السلك العسكري وتحديداً في القوات الخاصة لسلاح الحدود وأنا ابن تسعة عشر عاماً، حتى خضت مع زملائي غمار معارك على حدود الوطن، فاكتسبت صلابة وجلداً ومهارات قتالية وعسكرية. ثم أكمل حديثه وقال، بعد أن قضى عدة سنوات في السلك العسكري وخدمة وطنه، رغب في تغيير مساره المهني إلى ميدان الدراسة الأكاديمية، فانتقل للدراسة على حسابه الخاص إلى مصر، حيث أمضى سنتين وهو يحقق تفوقاً بين زملائه، فتقدم إلى طلب منحة للدراسة على حساب الدولة كباقي المستحقين من المتميزين في دراستهم. فكان أن ردت الملحقية بأن الابتعاث إلى الدول العربية قد أوقف، فما كان منه إلى الدخول على وزير التعليم العالي حينها الدكتور خالد العنقري، فأخذ يحدثه بأحقيته للابتعاث كونه جد واجتهد وتحصل على معدل عال يخوله الحق في الحصول على بعثة أيا كان مكانها، ويقول بأنه انفعل - وصاحب الحق تأتيه القوة - حتى أوعز له أحد الموظفين في مكتب الوزير بأن يهدئ من نبرة حديثه، فما كان من الوزير إلا منحه خطاباً بحقه في الحصول على الابتعاث في أي دولة خارج الوطن العربي. وبالفعل شد صاحبنا رحاله إلى الولايات المتحدة وهو لا يجيد اللغة الانجليزية كما هو مطلوب، فبحث عن مسكن يؤويه فلم يجد ما يلائم ميزانيته المحدودة إلا غرفة مشتركة مع شاب أمريكي، وكم احتمل من عنت وانعدام خصوصية وقلة حال!
أكمل صاحبنا أيامه تلك بجلد وصبر وطموح لا يلين، كيف لا وقد أكسبته تجربته في السلك العسكري وفي قطاع يحتاج إلى شجاعة الرجال ما أكسبته من صلابة، ونظرة إلى المحن على أنها منح وفرص واستنهاض للهمم. حتى بدأت ظروفه بالتحسن بفضل الله ثم دعم الحكومة أيدها الله وبرنامج الابتعاث في تلك الفترة، فكان أن استقل في شقته الصغيرة المجاورة لمقر دراسته في الجامعة، فواصل دراسته حتى تحصل على درجته الجامعية وبتميز في مجال الحاسب وتقنية المعلومات، فعاد لوطنه يحدوه الاشتياق إليه ولأهله، لينخرط في عمله الذي يلائم تخصصه. وقد ذكر لي بأن الدراسة في مصر الشقيقة كانت ممتعة ولم يواجه فيها المصاعب التي واجهها في أمريكا، ومصر بطبيعة شعبها وأرضها مريحة للنفس كما يتذكر صاحبنا. وبرغم أن أمريكا فيها ما فيها من تقدم تقني واقتصادي وترفيهي ومدن وطبيعة متنوعة وغيرها من المزايا والفرص، إلا أن صاحبنا كان ينتظر حصوله على الشهادة وإتمام بعثته بفارغ الصبر للعودة إلى الوطن، وهذا ما يكشف أصالة وارتباطاً فطرياً ببيئته ووطنه وحبه له واعتزازه به فعلاً وليس ادعاءً.
وقد كتبت هنا كما كتب ويكتب غيري من زملاء وزميلات القلم، بأن قوتنا الناعمة من طاقات بشرية واقتصادية، بفضل الله وتوفيقه ثم بقيادتنا وحكومتنا الرشيدة، هي مصادر قوتنا بعد الله سبحانه وتعالى، إنما لا ننسى بأن بناء الإنسان والاستثمار في شبابنا وبناتنا هو المصدر الأول لقوتنا الناعمة، وما صاحبنا إلا مثال على نجاح هكذا استثمار، إلى اللقاء.