صبار عابر العنزي
سؤال مر موجع ومنهك للتفكير خصوصاً في هذا الزمن.. من هو الصديق؟! ولكن الإجابة سهلة.. الصديق الحقيقي هو الذي يُعتمد عليه في وقت الشدة، والذي تستطيع أن تجعله مكمناً لكل أسرارك، الذي لا يستحي أن يظهر ضعفه أمامك، فيكون على طبيعته معك دون تكلف أو مجاملة أو ادعاء، هو الذي يغفر لك زلاتك ويسامحك على أخطائك الصغيرة، تجد راحتك عند الحديث إليه، إنه شخص تربطك به علاقة احترام قوية ليست مبنيّة على الاستغلال أو المنفعة الشخصيّة، وهو الذي يردّ عنك الإساءة في غيابك.
أما الصداقة باختصار فهي علاقة طوعية بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص مبنية على التآلف والتراحم والتواد والاحترام المتبادل والاهتمامات المشتركة، والشعور بالقيمة الذاتية وقيمة الآخر في حياتنا.
وتعَدّ الصداقة من أجمل العلاقات الإنسانية وأكثرها أهميةً على الإطلاق، حيث لا يستطيع الإنسان أن يعيش وحيدًا دون وجود صديق مخلص بجانبه يتشارك معه في أفراحه وأحزانه، يقول أرسطو « متى أحب الناس بعضهم بعض لم نعد حاجة إلى العدل غير أنهم مهما عدلوا فإنهم لا غنى لهم عن الصداقة..».
وقد نشرت جريدة البيان تحقيقا بعنوان «الصداقة في ميزان الأدباء والفلاسفة والمفكرين» ختمت بالقول بين مد وجزر وصعود وهبوط وآراء شتى تتفق ولا تتفق على الصديق وستظل رحلة الصداقة منذ قديم الزمان وحتى أفول البشرية، ويظل العلماء والخبراء والفلاسفة والمتدينون يقولون ما في جعبتهم من أقوال، كلما كانت التجارب في الحياة ساخنة، ولنا في السلف البعيد ما نستنير به من حكم ومزايا وأقوال، فقد قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه»، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضاً «استأنسوا بالوحدة عن جلساء السوء».
قيل «خير الأصدقاء من أقبل إذا أدبر الزمان عنك» كما قيل «فأما الصديق الذي هو إنسان مثلك، فقلما تجده، فإن وجدته لم يف لك بما يفي به العقل، فاكبحوا عنتكم عن الصديق الذي يكون من لحم ودم، فإنه يغضب فيفرط، ويرضى فيسرف، ويحسن فيعدد، ويسيء فيشجع، ويشكك فيضل».
وسئل أبو حيان عن أطول الناس سفرا فقال: «من سافر في طلب صديق» وكان أفلاطون صاحب القول «صديق كل امرئ عقله» أما سقراط فهو أيضا القائل «مما يدل على عقل صديقك ونصيحته لك انه يدلك على عيوبك، وينفيها عنك ويعظك بالحسنى ويتعظ بها منك، ويزجرك عن السيئة وينزجر عنها لك».
فالصداقة مبنية على تطلعات الفرد الشخصية وأهدافه من الالتزام بعلاقة الصداقة، لكن على الرغم من ذلك يمكن تحديد بعض السمات التي تميّز هذه العلاقة الحقيقية عن علاقات الزمالة أو المعرفة أو حتى القرابة، وعلى رأس هذه السمات الالتزام تجاه الآخر والتواصل المنتظم، الثقة والصدق، والتعاطف والاهتمام، وغيرها من المميزات.
صفات والمقاييس التي تحدد مفهوم الصديق الحقيقي, قبوله لك كما أنت وحرصة على أن يكنّ لك مشاعر صادقة ملؤها المحبة والنية الحسنة، ويكون كاتماً لأسرارك حافظاً لها مشجعاً لك على فعل الخير ومحذراً لك من الوقوع بالخطأ, وأن يتجنب فعل ما يزعجك ويفرح لك عند وصولك لإنجازٍ ما وهو الذي يكون أقرب إلى الاعتذار عند الخطأ, تجده وقت الحاجة بجانبك.
أخيرًا الركب السائر إلى الله في صدق لا يضل الطريق، ومن صدق في قوله وعمله، فهذه هي زينة الأخلاق ومنبت الفضائل, الصدقُ أفضلُ شيءٍ أنت فاعلهُ.. لا شيءَ كالصدقِ لا فخرٌ ولا حسبُ الكذبُ راقَكَ أنه متجملٌ والصدقُ ساءكَ أنه عريانُ وهو أفضلُ ما حضرتَ به.