عبدالرحمن الحبيب
غابت أو توارت الأطروحات الموضوعية والتحذيرات الجادة وحتى القصص الخيالية عن موضوع الحرب النووية لأكثر من عشرين سنة منذ نهاية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والغرب.. حتى أثناء الحرب الباردة كانت فكرة الحرب النووية مستبعدة بسبب الردع المتبادل بين الأطراف التي تمتلك أسلحة نووية، لأن استخدامها يعني دماراً للجميع. لكن أثناء ما يحصل في أوكرانيا من كوارث واتهام المتناحرين لبعضهم البعض بإطلاق تهديدات باستخدام النووي، أصبح الموضوع مقلقاً. هذا ما جعل أغلب الناس في المعمورة ناقشوا أو تخيلوا هذه الفكرة المرعبة وعواقبها الوخيمة على البشرية، فضلاً عن تعليقات وتحليلات المختصين حول التهديدات المزعومة باستخدام الأسلحة النووية..
ماذا لو حدث استخدام الأسلحة النووية؟ هل ستكون محدودة أم تتمدد لتصبح شاملة؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ ما هي السيناريوهات الكارثية المحتملة؟ وهل تم التخطيط لمواجهتها؟ كيف سيتعامل البقية من البشر الناجين من أم الكوارث؟ أسئلة مخيفة لاحتمال مستبعد لكن يصعب تجنب الحديث عنها هذه الأيام ولا بد من مواجهتها؟
يرى بعض الخبراء أنه لو حدثت هجمات نووية بين دول عظمى فالاحتمال المرجح هو موت مليارات البشر، لكن حتى الناجين في الأرياف والصحارى سيتعرضون لآثار مميتة مع انهيار حضاري ومجتمعي ومجاعات قد تتسبب في نهاية المطاف بفناء الجميع.
يقسم الخبراء احتمالية استخدام الأسلحة النووية في الحرب إلى نوعين: الأول هو الحرب النووية المحدودة، مثل استهداف منشآت نووية معينة أو ضرب أهداف عسكرية أو مدنية محددة أو إعاقة قدرة العدو على شن ضربة إستراتيجية، أو تمهيدًا لغزو بالقوى التقليدية؛ أما النوع الثاني فهو الحرب النووية الواسعة التي تستهدف بلدان بأكملها، وتتضمن أهدافًا عسكرية واقتصادية ومدنية مؤدية لتدمير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للبلد المستهدف، ومن المحتمل أن يصدر عنها إشعاع يدوم لمدة طويلة منتجاً «تهاطل نووي» قد يؤدي إلى «شتاء نووي» يدوم لعقود أو قرون أو حتى لألف سنة من وقت بداية الهجوم، وأن تلحق آثارًا مدمرة على الغلاف الجوي الحيوي للأرض..
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وما نتج عنه من انتهاء الحرب الباردة، انخفض خطر قيام حرب نووية كبرى بين دولتين نوويتين عظميين بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين، تحولت المخاوف بشأن الأسلحة النووية نحو نوع آخر من المخاطر مثل منع الصراعات النووية المحلية الناتجة عن الانتشار النووي، واحتمال ضرب هدف محدد بسلاح نووي، وخطر الإرهاب النووي. أما في الوقت الحاضر فقد اختلف الوضع.
«نحن بحاجة لبدء الحديث عن الحرب النووية» هذا عنوان مقال للكاتب دانييل فينكلشتاين في صحيفة التايمز، موضحاً أن علينا «التفكير فيما لا يمكن تصوره»، فتاريخ الحروب يظهر كثيراً «حروباً لا يتوقعها خصومهم لأنه بدا واضحًا جدًا أن أي هجوم سينتهي بكارثة».. وقال فينكلشتاين إن العديد من الاستراتيجيين قالوا إنّ غزو الرئيس بوتين لأوكرانيا يبدو غير معقول. ومع ذلك، يبدو أن الأشخاص ذاتهم يعتقدون أن بوتين قد يكون عقلانيا بما يكفي فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها.
إذن، الوضع الحالي في أوكرانيا «يجب أن يجبرنا على العودة بجدية لم نظهرها منذ 20 عاما على الأقل إلى موضوع الردع النووي» حسب فينكلشتاين الذي يقول: إن الهجوم النووي «لا يمكن تصوره، ومع ذلك علينا التفكير فيه. قد يموت الملايين من الناس في مثل هذا الهجوم، لكن الملايين لن يموتوا. ماذا سيفعلون؟ أين سيعيشون؟ كيف يأكلون؟ هذه أشياء يجب أن نخطط لها. وليس هذا فقط، بل هذه أشياء يجب أن نناقشها علنًا».
وإذا كان الغرب يلمح إلى احتمالية استخدام روسيا للأسلحة النووية فإن وزير الخارجية الروسي لافروف قال إنه «لا يؤمن باندلاع حرب نووية»، مشدداً على أن «روسيا لم تتحدث أبدا عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة»، فيما أكد نائب مدير إدارة منع الانتشار والحد من التسلح الروسية إيغور فيشنفيتسكي، أن «الحرب النووية مستحيلة كونها تعني نهاية الحضارة، ولا يجوز السماح بها بأي حال من الأحوال».
«يبدو أن الحرب النووية بين روسيا والغرب ما زالت بعيدة» كان هذا عنوان مقال للكاتب الروسي دانيلا مويسييف في «نيزافيسيمايا غازيتا»، مستبعدا اندلاع حرب نووية (موقع روسيا اليوم). في رده على أسئلة الصحفيين، قال الرئيس الأمريكي بايدن: إنه لا ينبغي القلق من خطر توجيه ضربة نووية؛ بينما قال رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي: إن طوكيو يجب أن تدرس إمكانية نشر أسلحة نووية أمريكية، في ظل الوضع الحالي، على الرغم من أن خليفته فوميو كيشيدا ينفي مثل هذا الاحتمال.
يرى أندريه سيدوروف عميد كلية السياسة العالمية بجامعة موسكو الحكومية، أن قادة العالم الحاليين يدركون أن احتمال نشوب حرب نووية، بل حتى مجرد صدام عسكري مباشر، بين روسيا والغرب لا يناسب أحدا، بل يستحيل إجراء حساب لكامل عواقب الضربات النووية على البشرية: لحسن الحظ، كانت مثل هذه التجارب في حدها الأدنى. لكن من المقلق أن كثيراً من الحروب التي اندلعت عبر التاريخ كانت غير متوقعة أو مستبعدة.