تحيي تونس يوم 20 مارس 2022 الذكرى السادسة والستين لعيد الاستقلال المجيد، هذا اليوم الذي تحررت فيه البلاد من نير الاستعمار وخلّد فيه الشهداء أسماءهم بعد أن بذلوا النفس والدماء لينعم التونسيين والتونسيات بالدولة الحرة المستقلة.
لقد شكّل 20 مارس 1956 منعرجا حاسما في تاريخ بناء الدولة الوطنية، التي تمكّنت بفضل رجال بررة مخلصين من تونسة إدارتها وجيشها وأمنها، والمضي قدما في ترسيخ الهوية الوطنية الأصيلة، وتركيز أركان الدولة المدنية الحديثة بإرساء المؤسسات السياسية والاقتصادية، ودعم الثقافة، والنهوض بالتربية والتعليم، والصحة، والارتقاء بمكانة المرأة.
وتونس التي عرفت عبر تاريخها محطات نضالية مهمة، تواصل اليوم بكل ثقة واقتدار مسيرة الإصلاح والبناء بقيادة سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد، التزاما منه بتصحيح المسار الديمقراطي الذي اختاره الشعب التونسي، حتى تحقّق الثورة التونسية أهدافها كاملة.
فالاستجابة لنداء الواجب من أجل إصلاح المسار الثوري الذي بدأ يوم 17 ديسمبر 2010، وإعادة السير الطبيعي لدواليب الدولة وللمؤسسات الدستورية، وتكريس أركان الديمقراطية الحقة القائمة على أساس سيادة القانون الضامن للحقوق والحريات وما يتطلبه ذلك من تطبيق للتشاريع على قدم المساواة بين جميع المواطنين دون استثناء، اقتضى من سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد اتخاذ إجراءات يوم 25 يوليو 2021 وتعزيزها بخطة طريق تقوم على مقاربة تشاركية وموسعة تكرّس بدرجة أولى سيادة الشعب التونسي، وذلك بالانطلاق منذ غرة يناير في تنظيم استشارة وطنية إلكترونية حول الإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر المنصات الإلكترونية، بالتوازي مع استشارات مباشرة تنظّم بكل معتمدية، ليتم في مرحلة ثانية إنشاء لجنة متكونة من خبراء في القانون الدستوري وفي المجالات الأخرى المعنية، تتولى مهمة جمع الاقتراحات واستخلاص التوجهات التي ستسفر عنها هذه الاستشارات والتأليف بينها، على أن تعرض مشاريع الإصلاحات الدستورية والقانون الانتخابي على الاستفتاء الشعبي يوم 25 يوليو 2022، لتتوّج هذه الخطة لاحقا بتنظيم انتخابات تشريعية حرة وشفافة يوم 17 ديسمبر 2022.
وفي خضم هذا، تجدّد تونس التزامها بحقوق الإنسان واحترام الحريات والمساواة بين جميع المواطنين ودعم استقلالية القضاء، على عكس ما تروّج له بعض الجهات من صور مغلوطة وحملات تشويهية مضللة غايتها تعطيل المسار الديمقراطي في تونس وتطويعه لمصالحهم الشخصية والحزبية.
إن تونس التي تخوض اليوم معركتها التنموية للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، تعوّل على إيمان شركائها وأشقائها بنجاح التجربة التونسية ومرافقة بلادنا ومساندتها في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، من خلال دعم الاستثمار وإعادة بناء الاقتصاد على أساس الحوكمة ومكافحة الفساد.
في هذا الصدد أثبتت المملكة العربية السعودية الشقيقة عمق ومتانة العلاقات الأخوية والتاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، حيث أكّدت المملكة في أكثر من مناسبة على وقوفها إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار تونس، والتأكيد على الثقة في قيادتها لتجاوز الظروف التي تشهدها بلادنا، بما يحقق العيش الكريم لشعبها وازدهاره. ودعت المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب تونس لمجابهة تحدياتها الصحية والاقتصادية.
كما أن المكالمة الهاتفية التي جمعت يوم 09 يوليو 2021 سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد بأخيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وما تبعها من وقفة تضامنية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي لم يتوان لحظة في إسداء توجيهاته الكريمة من أجل تمكين تونس من المساعدات والمستلزمات الطبية، واللقاحات، وأجهزة الأكسجين، دعما من جلالته لجهود تونس في مجابهة فيروس «كوفيد 19»، تعكس إيمان المملكة العربية السعودية بأهمية التضامن العربي والدولي خلال هذه الأزمات، كقيمة إنسانية، ترجمها نجاح تونس في تمرير القرار الأممي 2532، بالإجماع، بمناسبة عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن لسنة 2021، والذي يقضي بالوقف الفوري للأعمال القتالية والنزاعات، بسبب وباء «كورونا» الذي زاد الأوضاع الإنسانية تأزّما. فهي مبادرة غايتها انتهاج مقاربة مختلفة لمعالجة هذه الأزمة، وتأكيد على حرص تونس للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين من خلال تغليب لغة الحوار كمنهج أساسي في فض النزاعات الدولية.
أما في المجال التنموي، فقد تحصّلت تونس من الصندوق السعودي للتنمية على عدة قروض بشروط ميسّرة لإنجاز مشاريع في مجالات مختلفة نذكر منها البيئة والصحة والتعليم والتنمية الريفية ومياه الشرب والري. كما تحصّلت تونس على منح وهبات لتمويل مشاريع على غرار مشروع بناء وتجهيز مستشفى الملك سلمان الجامعي بالقيروان، وترميم المدينتين العتيقتين بكل من تونس والقيروان، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان، وجامع الزيتونة المعمور بتونس، بالإضافة إلى صيانة جامع الملك عبدالعزيز بجهة المنار. وهذا يعكس أهمية وثراء التعاون بين البلدين اللذين سيعملان، مستقبلا، على بحث آليات أخرى لاستكشاف مجالات أرحب لهذا التعاون وفقا لرؤى واستراتيجيات جديدة ترتقي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية التي تجمع تونس بالمملكة العربية السعودية الشقيقة.
من جانبها، شاركت تونس الشعب السعودي الشقيق احتفالاته بذكرى «يوم التأسيس» الموافق لـ22 فبراير من كل سنة، لما يحمله هذا اليوم من اعتراف وتمسّك من قيادة المملكة بالجذور الراسخة لهذا البلد، واهتمام بتكريس جملة المبادئ التي خطّها الآباء المؤسّسون منذ ثلاثة قرون، وأرساها الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-.
إن هذه العلاقات المتميزة بين البلدين التي تمتدّ لاكثر من سبعين سنة، عزّزتها وحدة الدّم، والدّين، والتّاريخ، والمصير المشترك، وهي ما فتئت تتطوّر منذ إرساء العلاقات الدبلوماسية سنة 1956، في إطار الاحترام المتبادل، وتطابق الرؤى في أغلب قضايا أمتينا العربية والإسلامية، التي حرصت تونس بمناسبة ترؤّسها لمجلس الأمن في شهر يناير 2021، على الدفاع عنها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تحظى بالأولوية المطلقة من لدن سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد حيث يعتبرها قضيته الشخصية.
هذه العلاقات التي تعزّزت أكثر من أي وقت مضى، شهدت خلال السنوات الأخيرة نسقا تصاعديا ملحوظا من خلال تبادل الزيارات لكبار المسؤولين في البلدين الشقيقين، حيث تعود بنا الذاكرة إلى الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تونس في مارس 2019، بمناسبة حضوره أشغال الدورة 30 للقمة العربية التي احتضنتها تونس، بالإضافة إلى الزيارة التي قام بها إلى تونس صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في شهر نوفمبر 2018.
كما أن الدعوة الكريمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى أخيه سيادة رئيس الجمهورية، الأستاذ قيس سعيّد من أجل القيام بزيارة للمملكة العربية السعودية، تؤكد حرص القيادتين على تعزيز علاقات الأخوة بين البلدين، والارتقاء بها إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية وكتابة صفحة جديدة مشرقة من صفحاتها الضاربة في عمق التاريخ والمتأصلة في وشائج القربى بين الشعبين الشقيقين.
وإننا في هذه الذكرى الغالية، لنجدّد اعتزازنا وفخرنا بما يكنّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، من محبة وتقدير لتونس وقيادتها وشعبها، وحرصهما الدائم على الوقوف إلى جانبها.
** **
- بقلم: السفير التونسي هشام الفوراتي