د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
بين لهيب الشمس وصرير الرياح، وبين بأس الصخور وقسوة الجبال، انهالت بشائر المدينة الواعدة (القدية)، ونمتْ حكاية الإنسان المختلف حين يعقد التحالفات الصادقة مع أساطير المعجزات لبناء جماليات الحضارة الوطنية في آفاق الصحارى البكر ابتهاجا بهبات الوطن التي تتوالى مشاريعها العملاقة فيغرق فيها البصر؛ وتنشق عنها بهجة بأزهى الصور؛ وعندما وافتنا الأنباء بإقامة أكبر منتزه للألعاب المائية في (القدية)? على مساحة 252 ألف متر مربع؛ انتشت مع تلك الاستراتيجية المعلنة كل حواسنا لتتهجى المفردات الصحراوية الجميلة التي أودعها الله في (القدية)؛ وهي تتجلّى كصباح جديد يعلن عن حضارة إنسانية صنعتها الإرادة المؤثرة!
لقد تحدث الكثيرون مستبشرين بمشروع مدينة «القدية» الترفيهية الرياضية الثقافية التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مطلع العام الميلادي 2017 في وفير من إشراقتنا الوطنية عندما أوجز وأجمل، فقال حفظه الله: «إن هذا المشروع الرائد والأكثر طموحاً في المملكة يأتي ضمن الخطط الهادفة إلى دعم رؤية السعودية 2030» بابتكار استثمارات نوعية ومتميزة داخل المملكة تصب في خدمة الوطن والمواطن، وتسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني.. إلخ».. وكان في إعلان سموه مكان وتمكين؛ ونتائج استشرافية لمستقبل الترفيهية والرياضة والثقافة في بلادنا؛ فمشروع «القدية» نبض حي في جوف الرؤية الوطنية؛ فها هي القدية الآن؛ وفي مطلع عام 2022، تعلن أنها مدينة تحقيق الأحلام؛ حيث بدأت البذور تنمو وتتشقق الأرض عنها، وتزهر في المنصات الثلاث التي احتضنتْ المكون التشغيلي في تلك المدينة (الترفيه والرياضة والثقافة)، وما زالت القدية إلى اليوم تتوسد أنظمة وطرائق ومحمولات نهضة جديدة، وفق ما استشرفه وخطط له سمو ولي العهد بأن تتعانق تلك المدينة الحافزة مع تعزيز دور الموارد البشرية في بلادنا، ودفع الاقتصاد إلى التنوع، ودعم الأنظمة في المرجعيات القائمة لتلك المكونات بما يمكن من تجاوز العقبات والصعود المبدع، ومن الملاحظ أن التشغيل لتلك المدينة بدأ بمنهجيات مختلفة متطورة عما هو متبع في سالف الأيام في المشاريع المشابهة، وكذلك فإن من بيارق المشروع قادم مجزٍ من التنافسية العالمية في صناعة محركات المدن الحديثة، وتعزيز ثقافة المجتمع السعودي؛ وإذا ما تحققت التنافسية فإن الاحتياج الوطني والمجتمعي سيكون متحققاً -بإذن الله-.
ومن واقع اليوم ومما نراه في فضاءات التشغيل والإعداد في المشروع الوطني الكبير (القدية)؛ أنها مدينة يخطف صباها عيون المبصرين؛ ونستشرفها مدينة تتلاقى فيها كل أطياف المثقفين لينسدل البوح وطنياً مشتركاً يحمل علامة «آيزو» سعودية مميزة، ونستشرفها مدينة يحتضنها حاضر جميل يتخطى حدود المحلية إلى آفاق أرحب، ونستشرفها محفظة استثمار كبرى تبارز فتنتصر، ونتأملها هناك يحتضنها جبل طويق الأشم العملاق الذي ينتصبُ وجهه الغربي فارعاً مشمخرّا وتقوم فيه أنوف ورعان وقمم إذا استقبلتها الشمس فكأنها صفحات بيضاء يبدو فيها طول العهد والتواجد البشري العتيد في لوحات تتقاطع فيها الخطوط لتمثل ( القدية ) امتدادنا الحضاري العريق.
ولنعرّج قليلاً على القديّة كما نعرفها وكما أورد عنها صاحب كتاب «المجاز بين اليمامة والحجاز» الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله-؛ أنها «منفذ مشهور في جبل طويق من أهم الأماكن التي تمر منها القوافل قديماً والركبان والوافدون من أواسط نجد إلى العاصمة» حتى قال «ولقد حدثني بعض الذين مروا معها في قافلة يبلغ تعدادها خمسمائة بعير فقال، كنا نعتاد المبيت تحت «القدية» من الغرب ويبدأ أولنا الصعود معها قبل صلاة الفجر وتطلع الشمس وآخرنا لم يدخله بعد».
طوبى اليوم للإعلام والثقافة والرياضة وللترفيه وللتنمية وأوارها المحمود عندما حضرتْ «القدية» مصطلحاً جديداً لإيقاد الشموع، وحفز المنابع وتحسين المصبات في دروب التحولات الحضارية القادمة في بلادنا الغالية.