«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
فالقضية هي لب أي موضوع يطرح من خلال أشكال متعددة سواء كتبتها في تحقيق أو مقال، أو قصة أو رواية أو سيناريو، المهم أن تعرف كيف تشكّل أدواتك وفق متطلباتها وقوانينها الخاصة ذلك ما تطرق له الأستاذ محمد المزيني أثناء رده على أحد محاور الحوار.
* صحافة, قصة، رواية، برامج، سيناريو ما الروابط المشتركة بين ذلك وما هي الشعرة الفاصلة بين كل عمل وعمل؟
- الصحافة هي البوابة الأولى التي أدخلتني إلى عوالمي الخاصة كنت مهتما في كتابة التحقيقات الصحفية في صحيفتي الرياض والجزيرة وصحف أخرى، أهوى التنقيب والبحث في القضايا (المسكوت) عنها، أو تلك التي تلفها بعض المحاذير التي لا يرغب كثير من الصحفيين الخوض فيها، وكنت أقوم بما يشبه التحدي بالولوج فيها، والتنقيب عن أسرارها، لأفاجئ الصحيفة بتحقيق مثير للإشكال لكنه مكتمل الأركان، فلا يجد رئيس التحرير بدا من نشره، منها على سبيل المثال تحقيق أجريته لصالح جريدة الرياض في تسعينيات القرن الماضي، حول مشكلة تدفق خريجات الثانوية العامة بلا تخطيط للجهات التي يمكن أن تستوعبهن وكانت المفاجأة أن كل جهة ترمي المسؤولية على الجهة الأخرى فمن الجامعات إلى الخدمة المدنية، نشر التحقيق بما يشبه الصدمة لتلك الجهات، ومنها تحقيق لجريد الجزيرة حول توقف مشروع أنفاق طريق الملك فهد لصالح جريدة الجزيرة الذي تأخر انجازه، فكانت النتيجة أن ثمة مشكلات عالقة وبين الشركة المنفذة والجهات المسؤولة، وقد لاقى صداه الواسع، وتحقيقات أخرى اكتشفت منها أن الحياة مسكونة بالصراعات الخفية فهناك أحداث وشخوص وزمان ومكان، ولغة صحفية سردية، قادرة على توصيف الحالة، وهذا بحد ذاته دفعني للوقوف على أعتاب الحياة الحقيقة، فالقضية هي لب أي موضوع يطرح من خلال أشكال متعددة سواء كتبتها في تحقيق أو مقال، أو قصة أو رواية أو سيناريو، المهم أن تعرف كيف تشكل أدواتك وفق متطلباتها وقوانينها الخاصة، الخلاصة أن محور جميع هذه الأشكال هو القضية والكلمة.
* كيف كان دخولك إلى بوابة صاحبة الجلالة وهل كان عندك أهداف معينة لذلك، وهل كان الخروج من ذلك العالم سهل؟
- الصحافة هي تخصصي الجامعي فدراسة للعلاقات العامة والصحافة في كلية الدعوة والإعلام في جامعة الإمام هي أحد المفاتيح لانغماسي بعشق في العمل الصحفي، في وقت قصير اكتشفت هذا العالم بدهاليزه، تمنيت أن واصلت السير قدماً في حرم صاحبة الجلالة، إلا أن التجاذبات التي كانت تكتنف الصحافة في ذلك الوقت لم تكن تروق لشخصيتي.. التي عودتها على الاستقلالية، لا ترضى بالانصهار في بوتقة القطيع الصحفي، لم تكن الصحف آنذاك بيئة ملائمة لشخصيتي، فهرولت هاربا من أقرب الأبواب،حالما توفرت لي وظيفة مشابهة، لكنها مستقرة أكثر.
* كيف فرشت طريقك عندما طرقت أبواب القصة وما هو المغري في ذلك العالم؟
- كما ذكرت لكِ الصحافة كانت تمثّل لب الحكايات والمسكونة بالقضايا، كُتاب كُثر لا عدد لهم ولا حصر، ألقت عليهم صاحبة الجلالة بطلاها ليخرجوا منها بأقلام تسيل شهيتها لكتابة القصص والروايات، وهكذا ألهمتني الصحافة لكتابة القصة، طبعا كان الرافد الآخر هو قراءتي المتعمقة في الأدب والسير والتراجم وفقه اللغة ثم لا حقا في الفلسفة وجدلياتها، انغمست في القصة والرواية العالمية ولم أتشبع منها حتى اليوم، ومنها عرجت على كثير من الأعمال القصصية والروائية العربية والسعودية، وهنا لا أجدني في موقع المفاضلة بينها، ما أردته فقط هو الإجابة عن سؤالك، في شقه الأول، أما المغري فيها فهو العوالم التي تقف بمخيلتك المترعة بالتجارب والشخصيات والأزمنة والأمكنة لتنسج منها حكايتك الخاصة، بصراحة أحيان أتخيل أن الروائي تحديداً كمن يمارس الشعوذة، يستخرج من عباءته التي يرتديها بما يشبه الحيلة للعوالم الخاصة، فأنتَ لا تكذب ولا تصدق، يكفيك أن تستمتع.
* الرواية عالم الغواية بعد أن قدمت بضع روايات هل ما زالت الرواية تفتنك إلى اليوم وأين أعمالك من الجوائز وهل أنت من الروائيين الذين يتبضعون بضائعهم من واقع الشارع وأن أستورد المكان؟
- الرواية عالمي الخاص مع تحفظي على (التبضع) فهي في غير مكانها الصحيح، الرواية ليست فقط أحاديث الشوارع، ولقطات عابرة من وجوه المارة، بل هي حياة مكتملة فيها بيئات مختلفة وذات حساسية عالية ومفرطة جداً عند التناول، تحتاج ألا اختيار شخصياتك بعناية، وتفرز أحداثها بما يليق بها، وتضعها في مكانها الحقيقي، ولغة تحترم ذائقة القارئ، لأنك لن تسرد خبراً شوارعيا عادياً، لذلك كل شخصية يجب أن يكون لها وقعها وإيقاعها داخل النص، حتى لتخالها تساكنك وتتحدث معك . أما الجوائز، فلم أسأل نفسي قط عنها، ولا تعنيني حقيقة، فلست من كتاب الجوائز الذين يكتبون لها ومن أجلها . فانا اكتب بدرجة أولى لأكتب العالم الذي يساكنني، وهو من حصيلة تجاربي الحياتية، وإن ألبستها حلة متخيلة وهي من الضرورات السردية التي لا مندوحة عنها.
* أي عمل روائي لك خرج إلى النور بعد ولادة متعسرة وهل حظيت أعمالك بدراسات مستحقة تنصح بقراءتها؟
- في عملي الروائي ليس هناك رواية ولدت بولادة متعسرة، فالرواية كما ذكرت أصبحت إعادة تشكيل عوالم الواقع، الذي يضخ لنا يومياً كثيراً من التحولات، ويفرز لنا كثيراً من الشخصيات الاستثنائية، لذلك أتناولها بطريقتي ولا أتعجل عليها، حتى تختمر جيداً وتصبح قادرة على تمثيل ذاتها داخل الورق، أما عن دراسة أعمالي التي لا أسأل عنها إنما أخبر إخباراً في بعض الأحيان فقد حظيت بعدد من الدراسات داخلياً وخارجياً، وقد علمت قبل سنوات أن روايات المزيني من المحظورات في بعض الجامعات السعودية، لأسباب رقابية، تلك الرقابة التي لا تزال تواجه أعمالي بالمنع والمصادرة، لذلك لا تجدينها إلا في مكتبات بعيداً عن عين الرقيب. قد يكون الوضع تغير رسميا لا واقعيا بما أعلنت عنه وزارة الثقافة مشكورة مؤخراً، أرجو أن يدخل حيز التنفيذ قريباً ويفرج عنها لتصل إلى القارئ بشكل سلسل.
* كم تمضي من الوقت مع خير جليس وما أهم الكتب التي تقرأ اليوم؟
- هذا سؤال تقليدي لا أحبه، فالكاتب أساساً يقضي يومه ما بين القراءة والكتابة، لا ينقطع عنها لا في حل ولا ترحال، انتهيت من قراءة كتاب الأمير بند بن سلطان لويليان سمبسون يتخلله رواية حلم السلتي ليوسا وأنا في طريقي الآن لعبور صفحات كتاب البروج المشيدة للورنس رايت، وفي أوقات أخرى أقرأ مجموعات قصصية.
* يعرف عن العرب كثرة الواجبات الاجتماعية التي خرجت من رحم القبيلة والعادات والتقاليد كمبدع كيف تتعايش مع ذلك وتنتصر لإبداعك؟
- حقيقة لم أفكر بهذا نهائيا، لأنني لا أعاني منها، ولا تشغلني نهائياً، فقط وطدت نفسي منذ أن بدأت أكتب أن أكون أنا لا غيري، وأكتب ما تمليه علي عوالمي الخاصة، والكلمة الحرة النقية، وهذه مسؤولية الكاتب الحقيقي الذي يكتب خارج كل الإطارات، بعيداً عن وساوس شيطاين الرقيب الذاتي والخارجي.
* الموهبة تكفي أو ماذا تحتاج حتى تزهر وتثمر وخاصة في واحة الأدب؟
- لا تكفي الموهبة خصوصاً في الكتابة فأنت تحتاجين إلى ثلاثية لا غنى لك عنها، أولها الشغف الذي يقودك إلى عالم الكتب ثم القراءة المستفيضة والمخلصة ذات القيمة الخاصة لك، ثم القدرة على الفرز، أقصد المخرجات، فقد تكونين شغوفة بالقراءة وتقرأين بنهم، ثم تقعين في مطب العجز عن تمثيل هذا الغذاء الفكري بشكل جيد من خلال نص جيد.
* قدمت برامج ثقافية عبر القناة الثقافية السعودية بعد التوقف هل مات واندثر ذلك العمل مع الوقت أم أنه لا يزال بذات الصدى الذي تحدثهُ رواية الطقاقة «بخيتة»؟
- هي تجربة لم أبحث عنها قدمت إلي وأحببت أن أجرب نفسي صوتاً وصورة، كما أحببت أن أقدم برنامجاً ثقافياً يعايش الإبداع من العمق، ويفكك النصوص الإبداعية مع شخصياتها بعيداً عن المجاملات، توقفت القناة الثقافية أو بمعنى وئدت بقرار تعسفي، وانتهت معها كل الطموحات التي يتطلع لها الكتاب والمثقفون في أن يروا ما يعبر عنهم من خلال وسيلة موجهة لكل الباحثين عن الثقافة.
* هل الخبرات الطويلة في الكتابة هي التي دفعتك إلى كتابة السيناريو أم أنك أنت من خطط إلى دخول ذلك العالم؟
- السيناريو تجربة لذيذة انطلقت من كتابة السيناريوهات الإعلامية والوثائقية، لعدد من الجهات، تطورت إلى النصوص ربما مسلسل ضرب الرمل ومسلسلان آخران ينتظران التنفيذ كانت تتويجاً لهذه التجربة التي عشت متعتها ولا أزال.
* كيف تقرأ مسلسل ضرب الرمل اليوم وهل حقق ما كنت تطمح لهُ وما هي الأعمال التي شاركت من خلاها سواء كانت مُنتج سعودي أو عربي؟
- مسلسل ضرب الرمل ولد متعسراَ بسبب ظروف صعبة جداً، أولها كورونا الذي وقف أمام إنتاج العمل بشكل كامل، وثانيها المنتج المخرج الذي وجد نفسه أمام عمل ضخم بهذا الحجم، واصطدم بحجر تجربة الإنتاج التي أوقعت معها ضحايا لا يزالون يعانون من أوشاب المسلسل الذي كنا اليوم لولا كل هذه المصاعب نعمل على الجزء الثالث منه، والمتابعون لا يزالون ينتظرون أجزاء ضرب الرمل الذي انتهيت من كتابة الجزء الثاني منه وننتظر إنتاجه مع شركة أخرى تحترم عملها، وتقدر أهمية العمل بغض النظر عن العائد المادي والأطماع الذي تساكنه. حقيقة انتظر أن تعيد هيئة الإذاعة والتلفزيون النظر في موقفها إزاء مسلسل ضرب الرمل الذي يعكس واقع المجتمع السعودي المعبر عنه وهو الجانب المحبب لهم، أرجو منهم أن لا يتأخروا في اتخاذ قرار يليق بمهماتهم ومسؤولياتهم .وأنا واثق من أن في جعبتهم للكاتب السعودي والمنتج السعودي الشيء الكثير، فليس أحق بمقدرات الوطن المعنوية والمادية سوى المواطن.
* الدراما السعودية بعد سنوات من تقديم الأعمال الكوميدية تلج إلى بوابة التاريخ وتعري الحقيقة بالعنف واللفظ البذيء والحالة النفسية والاقتباس من الأعمال العالمية في ظل أن الأعمال المرئية المتمثلة بالدرامية والسينمائية هي مرآة الشعوب كيف ستكون هويتنا ونحن نصدر عجينة لم تروى بعرقنا؟
- هذه تجارب لدراما سينمائية لا تزال في بدايتها، اكتنف التجريب عشوائية أخلاقية لا تمثلنا إلا في الأسماء التي نراها على الشاشة في تجريب النطق بعد الصمت، اقصد السينما، فهي بعد أمد طويل من الصمت نطقت،والحال كما يقال (صمت دهراً ونطق كفراً) ولكي تجرب صوتها، خرج بأشياء كثيرة، منها ما شاهدناه في بعض الأعمال السينمائية التي حسبت على الدراما السعودية المجتمع السعودي واحتفت بها بعض المنصات، بينما هي مع شديد الأسف لم تقدم صورة جيدة ولا دراما متقنة الأداء، حتى لو كنا نصف حالة الحرمان لا نحتاج إلى أن تكون الكلمات قذرة ولا المشهد قذر مقزز.
* ألا تطمح إلى تقديم أعمال درامية عبر قنوات أكثر انتشار وحضور وما هو جديدك الذي خلف النافذة الصغيرة وقريباً يرى النور؟
- لدي عملان لدى شركتين عربيتين مرموقتين، لست مخولاً حقيقة بالتصريح عنهما بحسب الاتفاق المبرم بيننا، وهناك عمل آخر لدى هيئة الإذاعة والتلفزيون،ننتظر الإفراج عنه وتعميدنا عليه وقد أخبرنا بموافقة اللجنة على العمل وكنا نتوقع أن نخرج به لرمضان القادم، لا أعلم عن سبب التأخير، وكلي أمل في ينجز ما وعدنا به . وأملي في رئيس الهيئة الأستاذ محمد الحارثي كبير.
* ما هو الوقت التي تنصف خلالهُ محمد المزيني بالراحة من رحى العمل وفي ذلك الوقت ماذا يطرب حواسك وما الأفلام العربية أو الأجنبية التي تحب أن تتابع؟
- يومي مقسوم بين القراءة والكتابة والمشاهدة، تركت المشاهدة لمشارك الأصدقاء، فقد خصصنا ليلية نختار لها فيلما، ونشاهده معا ثم عقب نهايته نتطارح الآراء حوله، وهناك مشاهداتي الخاص لمسلسلات تاريخية حالياً أتابع مسلسل (Peaky Blinders) وهو صراع يقع بين عوائل بيرمنغهان في القرن التاسع عشر، وهذه المتابعة لها أكثر من هدف أولها قراءة السيناريو بشكل جيد وفهم تقنياته المعبرة، وهو ما نحتاج إليه حقيقة في بعض أعمالنا الدرامية التي تجد حواراتها مفككة وفائضة عن الحاجة وتناقش قضايا تافهة جداً.
* النجاح يحتاج إلى ماذا حتى يظل سفينة مبحرة بالبحر رغم العواصف المحدقة بها من كل اتجاه؟
- النجاح خاص جداً لا تنتظر أن يشاركك فيه أحد، وأهم ما فيه هو أن يحقق لك السعادة بغض النظر عن شكل هذا النجاح، لذلك ننجح عندما نكون راضين تماماً عن أنفسنا.
* الوصول إلى الترند نجاح، فهل نجاح تلك السلع وقتي أم تاريخ يعاد إليه وأن كان نجاح لماذا لم يكتب عن تلك الأعمال مقالات ودراسات تكشف أهمية تلك الثقافة التي تؤثّر على شريحة عريضة من المجتمع؟
- حقيقة هذا السؤال الذي لم أفكر به قط، لأن ما يجري حالياً في مواقع التواصل الاجتماعي عصي على الفهم، فلم أشغل نفسي أساساً بما لا أفهمه. أشياء لا تصل إلى العقل، ولا تلامس شغاف القلب السليم، لذلك لا أريد أن أنزل بنفسي إلى ما دون العقل والقلب، فالمستوى هنا لا يليق بنا أحياناً، حتى الترند الذي أراه دائماً مشبوهاً.