علي خضران القرني
الأديب الأستاذ محمد الشقحاء رفيق درب ومن أصدقاء العمر وعندما طلب مني الابن العزيز الروائي والصحفي الأستاذ جابر محمد مدخلي المشاركة في الملف الثقافي المزمع إصداره في ملحق الجزيرة الثقافي النشط تحت إشراف صديقنا المفكر الدكتور إبراهيم التركي عن أخي وصديقي وزميلي الأستاذ القاص محمد الشقحاء خالجتني حيرة عن ماهية الحديث هل أتحدث عن الصداقة الشخصية بيننا، أم اتحدث عن الزمالة في حقل التعليم أم في النادي الثقافي الأدبي، وكلها قضيناها معا في ربوع الطائف المأنوس من بواكير الشباب حتى غزانا المشيب وما زلنا على تواصل ومحبة وإخاء والحمد لله.
بدأت معرفتي بأخي محمد الشقحاء عندما انتقل عملي إلى الطائف مصيف المملكة الأول في أوائل عام 1381هـ قادماً من الرياض، وكصحفي ومسؤول حينها عن بعض مكاتب الصحف والمجلات كعكاظ والمنهل والمدينة وغيرها إبان صحافة الأفراد ولشغفي بالقراءة والاطلاع والكتابة كنت أقوم بالبحث عن أرباب القلم والمعرفة من الأدباء والشعراء والكتّاب، ومَن له صلة بذلك للتعرف عليهم والتواصل معهم.
وكان من أوائل من عرفتهم -آنذاك- الأخ الأديب القاص الأستاذ محمد الشقحاء، المعنيّ في هذه الإطلالة، وتوالت معرفتي بعد ذلك بالعديد من المتخصصين في الشؤون الأدبية والصحفية والإعلامية بالطائف، وهم كُثر؛ لا يتسع المجال لذكر أسمائهم، وقد ترجمت لمعظمهم في كتابي (من أدباء الطائف المعاصرين).
- وقد تكوَّنت لنا على أرض الطائف (المصيف الجميل) نشاطات ولقاءات ومسامرات في العديد من المنتديات والمنتجعات والمقاهي والمكتبات العامة، إضافة إلى إسهامات البعض منا في صحف مكة وجدة والرياض، كلٌّ في مجال تخصصه؛ لعدم وجود جريدة تصدر في الطائف -آنذاك- حتى اليوم، رغم المطالبات بتأسيس جريدة فيه، ولكن دون جدوى، رغم أحقيتها بذلك بوصفها مصيفًا سياحيًّا، له مكانته وأهميته بين المصايف المحلية والعالمية.
- ومع النهضة المباركة والشاملة التي عمَّت البلاد في شتى مجالات الحياة، ومنها ازدهار الحركة الأدبية والفكرية والثقافية على مستوى المملكة، وتقدُّم السياحة والاصطياف في المصايف المشهورة بالمملكة، وفي طليعتها الطائف، وتعدُّد السياح والمصطافين الذين يفدون إليها في كل عام للمميزات التي يحتويها، وغالبيتهم من المهتمين بالثقافة والأدب والنشاطات التي تقام فيها، خاصة خلال فترة الصيف.. فقد اجتمع (ثلة) من أدباء ومثقفي الطائف، ورفعوا التماسًا لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- الرئيس العام لرعاية الشباب وصاحب فكرة إنشاء الأندية الأدبية، وداعم مسيرتها ورعايتها، بطلب الموافقة على إنشاء النادي الأدبي بالطائف عام 1395هـ. وفعلاً صدرت موافقته -رحمه الله- على إنشائه, وتكوَّن مجلس إدارته من (7) أعضاء، ثم توالى بعد ذلك تأسيس الأندية الأدبية الأخرى تباعًا على مستوى المملكة، التي بلغ عددها حتى الآن (16) ناديًا.
واختير الأخ محمد الشقحاء سكرتيرًا وأمينًا لسر النادي. وقد قام بها منذ تأسيس النادي حتى استقالته وانتقال عمله للرياض خير قيام، وترك بصمات بارزة وجهودًا موفقة على مسيرة النادي وتاريخه المشرف الطويل، إذا ذُكرت شُكرت.
- ويعتبر الأخ محمد الشقحاء من أدباء الطائف المعاصرين؛ فقد مارس الكتابة الأدبية، وكتب شعر التفعيلة والقصة في سن مبكرة من عمره، وبرع أخيرًا في كتابة القصة بأنواعها المعروفة، وظلت همه وسلواه في حياته الأدبية، وما زالت. وقد سبق أن عرض التلفزيون السعودي إحدى قصصه الموسومة (بانتظار الرحلة الملغاة) عام 1403هـ، ساعده في ذلك سعة اطلاعه، وتنوع ثقافته، وامتلاكه كغيره من جيل الأدباء مكتبة خاصة، حوت العديد من الكتب الثمينة المتخصصة، ساعدته في نمو ثقافته وصقل مواهبه، وقد أهداها أخيرًا لمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عام 1418 هـ، ونال إثر ذلك شهادة تقدير من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض -آنذاك-.
- صدرت له من الكتب القصصية حتى الآن (21) قصة، كان آخرها قصة (أيها السرمدي لا تقاوم الصحراء)، حكايات وقصص قصيرة، صدرت عام 1438 هـ، وتقع في (125) قصة من القطع المتوسط، احتوت على (66) قصة، معظمها من القصص القصيرة جدًّا, تميل في أفكارها إلى الواقعية أكثر منها إلى الرمزية، وهو ما ألفته في قصص الشقحاء. فالمجتمع هو المعين الذي لا ينضب في استخراج المواقف الاجتماعية، وتحويلها إلى دراميات وشخوص تعالج السلبيات بأسلوب قصصي أخَّاذ، وسهل ممتنع.
وتميز الشقحاء بحرصه على التجديد في أسلوب كتابة القصة، والخروج بها عن التقليدية، مع الحفاظ على عناصرها وعدم الإخلال بشروطها؛ وهو ما جعله من أهم كتّابها في عصرنا الحديث، إلى جانب مجموعة من كتّاب القصة، منهم - على سبيل المثال لا الحصر- عبدالعزيز الصقعبي، جارالله آل حميد وحسن البطران، وشريفة الشملان، وجبير المليحان، وحكيمة الحربي، وعبدالله سعيد جمعان الخزمري وإبراهيم شحبي ويوسف المحيميد ومحمد علوان، وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم.
- وقد كُتبت عن فنيات قصص الشقحاء أكثر من دراسة لأكثر من ناقد، أذكر منهم: فؤاد نصر الدين حسن وأحمد محمد مبار ك ودكتور عبدالقادر كراجة، وغيرهم.
- وأجزم في ختام كلماتي أن الأديب القاص الأستاذ محمد المنصور الشقحاء خدم الأدب والفكر محليًّا وعربيًّا، وأثرى المكتبتَيْن السعودية والعربية بالعديد من مؤلفاته التي لا يستغني عنها الباحث والدارس والقارئ على حد سواء.. وما أشرت إليه في هذه العجالة قد لا يفي بالجوانب الإبداعية الكاملة التي تختزنها سيرته ومسيرته ونتاجه القصصي الثري، وحسبي أن (ما لا يُدرك كله لا يُترك جله).