قبل ثلاثين عاماً قرأت هذا النص الشعري:
«حَسَنٌ في كلِّ عينٍ مَن تَوَدّْ»
شاقني فيها تقاسيمٌ وقَدّْ
وعيونٌ يُبحِرُ الموجُ بها
شاطئاه السُّمْرُ أجفانٌ وخَدَّ
الضحى والليل في أحداقِها
كتلةٌ حوراءُ في جَزْرٍ ومَدّْ
قال سلطان الهوى: أَطريتَها
وتماديتَ، فللأوصافِ حَدّْ
قلتُ: دعني غارقاً في وصفِها
«حَسَنٌ في كلِّ عينٍ مَن تَوَدّْ»
فأعجبني، ورحت أردده، وحفظته عن ظهر قلب..
إنه نص للشاعر القدير سعد بن عبدالرحمن البواردي أقدم قامة أدبية على قيد الحياة في المملكة العربية السعودية.
منذ ذلك الحين وأنا شغوف بإبداعه الشعري والنثري، وأتابع جديده من حين إلى آخر، وأفخر به أن مثله حاضر مؤثر في مشهدنا الأدبي والثقافي.
والليلة نكرم هذا العَلَم عرفاناً بجليل عطائه..
إنها ليلة وفاء نكرم فيها أنفسنا بتكريم الرمز الأدبي والوطني الشاعر والمفكر سعد بن عبدالرحمن البواردي -حفظه الله، وكان رواد مجلس أوراف الأدبي يتطلعون إلى تكريمه في المجلس مع إقامة برنامج متكامل، لولا أنه آثر أن يكرمنا مرتين: مرة بقبوله التكريم، ومرة بإضافتنا في منزله العامر.
ليلة مجيدة يشاركنا فيها أدباء ونقاد يمثلون نخب المشهد الأدبي والنقدي، ولو فتحنا الباب على مصراعيه لضج المكان بالمحبين والمعجبين، وهذا من عاجل إنصاف الله لهذا الرمز العَلَم، والجَبَل الأَشَم.
ليلة أتحَفَنا فيها الزملاء بحضورهم ومداخلاتهم، وحظينا فيها بلقاء حميمي جَمَعَنا بأسرة الأديب وأعيان مدينته مسقط رأسه شقراء، وأنصتنا فيها لورقة علمية نفيسة أعدها أ. د. إبراهيم المطوَّع عن المكرَّم.
ومن فضول القول أن أعرّف بقامة بحجم قامة الشاعر سعد البواردي، غير أن سُنَّة التكريم تقتضي لو نبذة موجزة تبقى في سجل تكريمه للأجيال اللاحقة.
هو سعد بن عبد الرحمن البواردي المولود في محافظة شقراء عام 1348هـ، شاعر وقاص وكاتب ومفكر، وهو صاحب الزاوية الصحفية الشهيرة في صحيفة الجزيرة (استراحة داخل صومعة الفكر)، وهي زاوية زاخرة بعطائه، واستمرت عقودًا طوالاً.
نشأ -حفظه الله- يتيمًا صلبًا، وانتقل من شقراء إلى عنيزة لمواصلة دراسته، وانضم إلى مدرسة دار التوحيد في الطائف، وانتقل إلى المنطقة الشرقية للعمل، ثم إلى الأحساء، وعمل في مهن كثيرة صنعت منه رجلاً شامخًا قويًا إرادة وطموحًا.
وعمل بعد ذلك مديراً لإدارة العلاقات العامة، ومديرًا لمجلة المعرفة، وأمينًا للمجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب في وزارة المعارف، ثم عمل في وزارة التعليم العالي ملحقاً ثقافياً للشؤون الإعلامية في بيروت والقاهرة.
ومن أعظم إنجازاته إنشاء المجلة الرصينة (الإشعاع) في الخبر عام 1375هـ (1955م).
وله أكثر من ثلاثين إصداراً ما بين شعر وفكر وقصة، ومنها:
أغنية العودة، أجراس المجتمع، فلسفة المجانين، شبح من فلسطين، ذرات في الأفق، لقطات ملونة، إبحار ولا بحر، ثرثرة الصباح، صفارة الإنذار، رباعياتي، وللسلام كلام، حتى لا نفقد الذاكرة، رسائل إلى نازك، قصائد تتوكأ على عكاز، قصائد تخاطب الإنسان، حروف تبحث عن هوية، حُلم طفولي، إطلالة حول العالم، استراحة داخل صومعة الفكر وقد صدر منه ستة أجزاء، أبيات وبيات، كلمات للحياة، أفكار مضغوطة، ثرثرة الظهيرة، شريط الذكريات.
وكُتبت عنه أطاريح جامعية، ومؤلفات نقدية، ومنها: سعد البواردي شاعرًا، تأليف عبد العزيز بن حمود البلوي.
وكُرم في مهرجان الجنادرية عام 1435هـ (2014م)، وقَلَّدَه الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في العام نفسه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تقديرًا لنشاطه الأدبي والثقافي طوال 60 عاماً.
ونيابة عنكم أشكر اللجنة الاستشارية ممثلة بـ:
أ. د. عبدالله الحيدري.
أ. د. ظافر العَمري.
أ. د. صالح المحمود.
فقد نظّموا للتكريم وأعدوا له خير إعداد، وفضل نجاحه يعود لله ثم لهم.
** **
- د. فواز اللعبون