محمد سليمان العنقري
في الحرب الأوكرانية التي لا شك أن الجميع يتمنى توقفها نظراً لتداعياتها الخطيرة على الأصعدة كافة تصاعدت المواجهات فيها لدرجة تقترب من توسعها في القارة الأوروبية إلا أن اللافت هو التحرك الغربي بفرض عقوبات طالت كل ما هو روسي ووصلت لكل فرد يعيش بروسيا وحتى المواطنون الروس الذين يعيشون في تلك الدول التي تحالفت ضد روسيا بعد أن شنت حربها على أوكرانيا فالعقوبات التي بدأت اقتصادية تناولت العديد من الجوانب التي تحد من نشاط الاقتصاد الروسي حيث جمدت نصف أصولها السيادية بحدود 300 مليار دولار بالإضافة لانسحاب مئات الشركات الأجنبية من السوق الروسي مع إلغاء سياسة الأفضلية لروسيا في تعاملاتها التجارية مع أميركا والعديد من الإجراءات التي طالت حتى رجال أعمال روساً تعتقد الدول المتحالفة أن لهم صلات بالحكومة الروسية وعلى إثر ذلك هبطت العملة الروسية الروبل بأكثر من 50 بالمائة حيث أصبحت قيمتها تعادل أقل من سنت أمريكي واحد وأقفلت البورصة حتى لا تنهار الأسعار في محاولة لاستيعاب آثار هذه العقوبات التي تخطت 5500 عقوبة.
لكن دخول وسائل التواصل الاجتماعي على خط العقوبات وضع علامات استفهام حولها خصوصاً المنصات الشهيرة التي تستحوذ على جل مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم حيث حظرت أي منشورات تروج لموقف روسيا ووجهة نظرها وفي الوقت ذاته سمح بعضها بتمرير منشورات تحرض على العنف ضد الروس وهي سابقة خطيرة كونها تدعي أنها تشدد الرقابة على أي محتوى يدعو للعنف فيما ردت روسيا بحظر استخدام تلك الوسائل مثل فيسبوك وتويتر وانستجرام وذلك رداً أيضاً على فرض الغرب حظراً على عشرات الوسائل الإعلامية الروسية من قنوات فضائية وتطبيقات وغيرها فالدول المتحالفة لم توفر سلاحاً ناعماً إلا واستخدمته في هذه الحرب بداية من الحرب الاقتصادية إلى استخدام وسائل الإعلام بينما كان الغائب الأكبر في هذه الحرب هو الحقيقة ومع هذه الأجواء المتوترة والخطرة يبرز سؤال في غاية الأهمية حول حقيقة ادعاء الغرب أنهم يؤمنون بحرية الإعلام واستقلاليته عن توجهاتهم السياسية بل قد يذهب السؤال لأبعد من ذلك هل هذه الوسائل أذرع لحكوماتهم بشكل غير مباشر حتى لو كانت شركات مساهمة ومدرجة في كبرى بورصات العالم ووصلت قيم بعضها السوقية لمئات المليارات من الدولارات؟
لقد صدع الغرب رؤوس العالم بتباهيه في ما وصل له من تقدم في حرية التعبير وأن إعلامه مستقل بينما ما تم ممارسته من قبلهم ضد الإعلام الروسي ومن وسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل جنسيات هذه الدول يوضح بما لا يدعو مجالاً للشك أن شعارات حرية الإعلام لديهم تمارس بانتقائية وأنها تصبح من أدوات محاربة الدول التي تختلف معهم رغم أنها ليست وسائل محلية بل عالمية ولديها مكاتب تمثيل بعشرات الدول وتستفيد من الأعداد الغفيرة ممن يشتركون فيها فيوجد مثلا 80 مليون روسي يستخدمون تطبيق انستغرام وعدد مستخدمي فيسبوك يقارب 30 بالمائة من سكان العالم فمثل هذه الوسائل متعددة الجنسيات عملياً نظراً لانتشارها الواسع فإذا دخلت على خط المواجهات السياسية فإنها تصبح بمثابة إحدى أدوات الحرب مما يعني ضرورة أن تعيد الكثير من الدول التي تعد ذات قدرات اقتصادية وتقنية جيدة خصوصاً الاقتصادات الناشئة أن تنشئ وسائل تواصل خاصة بها وأن ترفع من مستوى الوعي في مجتمعاتها حول تلك الوسائل الأجنبية وطرق الحذر مما يمرر من خلالها ضد دولهم عند اختلاف المصالح السياسية مع الدول التي تحمل هذه الوسائل جنسياتها.
من كانوا يتغنون بحرية الإعلام لعقود سقطوا في اختبارات دولية عديدة وهذه الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا آخر الشواهد على واقع ماكينة الإعلام لديهم فما يعنينا هو ليس ما يدور داخل دولهم ومجتمعاتهم بل ما تقوم به هذه الوسائل تجاه الدول الأخرى فالحرب لم تعد عسكرية فقط بل تعددت أسلحتها ومن خلال وسائل التواصل وانتشار الإنترنت أصبح الدخول للمجتمعات سهلاً جداً ومواجهة هذه الأدوات المؤثرة في الرأي تحمل تحديات متعددة وتتطلب استثمارات ضخمة لإنشاء وتعزيز قوة الإعلام المحلي ليكون هو القادر على التأثير والتصدي للإشاعات والدعايات المضللة فالأمر لا يتعلق بما يحدث تجاه روسيا بل بظهور أساليب خطرة لها تأثير بالغ في دعم هيمنة قوى معينة على حاضر العالم ومستقبله.