«الجزيرة» - كتب:
صدر لمعالي الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري، كتاب: «تشخيص الصحوة تحليل وذكريات»، وذاك في 186 صفحة من القطع المتوسط، تناول فيه مؤلفه جوانب مهمة تتعلق بالصحوة وما يتصل بها، وذلك عبر نقاشها في رصد مراحل تطورها في فصلين 39 مبحثًا، وقد أضاف د.السديري في هذه الطبعة الثانية نقاطاً مهمة، كما بين سبب صدور هذه الطبعة حيث يقول: «فيسرني أن أقدم للقارئ الكريم الطبعة الثانية من هذا الكتاب، التي تحوي بعض التعديلات والإضافات عن الطبعة الأولى، ومما شجعني على إعادة طباعة الكتاب أمور منها:
1- نفاد الطبعة السابقة خلال الأيام الأولى من عرض الكتاب. 2- ما غمرني به كثير من الفضلاء والفضليات من من اطلع على الكتاب، سواء كان ذلك بالاتصال المباشر، أو بالكتابة في الصحف، أو وسائل التواصل الاجتماعي، من مشاعر أو ملاحظات تجاه الكتاب. 3- إلحاح عدد من المهتمين على ضرورة إعادة طباعة الكتاب، وتوسيع قاعدة نشره. 4 - الحراك التنموي والاجتماعي والتغيير المتسارع في المجتمع السعودي في عهد الحزم والعزم الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله يعاضده عراب (رؤية المملكة 2030) صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حفظه الله، وظهور ملامح هذه الرؤية على الإنسان السعودي في أرض الواقع، ونفض غبار الصحوة الحركية التي ضربت أطنابها في المجتمع السعودي أكثر من أربعة عقود من الزمن. هذا كله دعاني لإعادة طباعة الكتاب مرة أخرى، عله يكون مساهمة في التوضيح للأجيال الناشئة عن أحد أهم أسباب الانحراف الفكري في هذا العصر، ونحن نعيش مرحلة مهمة من تاريخ الوطن. سائلاً الله الإخلاص في القصد والعمل».
أما فكرة هذا الكتاب فيكشفها د.توفيق بقوله: «يفتح هذا الكتاب كوة على وجه من أوجه الحراك الفكري في المملكة العربية السعودية في مرحلة مفصلية مهمة من تاريخها، قد لا تكون الصورة فيها كاملة، لكن أنقلها كما عايشتها ورأيتها رأي العين، وخالطت رموزها ومنتسبيها منذ بداية السبعينات الميلادية للقرن العشرين، حاورت بعضهم واصطدمت مع آخرين، كان هناك جفاء وإقصاء كما كانت هناك مراوغة، وكان هناك صدق واعتراف أحيانا. وبدأ اهتمامي بالحركة الإسلامية ورموزها في المملكة في وقت مبكر مذ كنت طالبا في المرحلة المتوسطة في مطلع السبعينات، فجيلي هو الجيل الذي لامس مرحلة الانكسار اليساري القومي، وبداية سطوع الفكر الحركي الإسلامي، أو ما يمكن أن نسميه فكر «التفسير المصلحي التوظيفي للدين»، وتحديداً المصلحية السياسية أو ما سمي فيما بعد بالصحوة الإسلامية، أما ما يتعلق بالمرحلة السابقة وهي مرحلة المد اليساري والقومي بأطيافه المختلفة فقد عرفته عن بعد وتابعت حراكه الفكري الذي كان سابقا لجيلي، هذا الحراك الذي كان متوهجا قبل حرب 1967م، لكني لم أعايشه لأسباب أهمها المرحلة العمرية، وكذلك كوني نشأت في محيط محافظ وبيئة دينية موالية بعمق للهوية والدولة السعودية، لذلك قد لا استطيع الكتابة عنه كما أكتب عن الحراك الفكري الحركي الإسلامي السياسي، لأني عايشت هذا الآخر في المدرسة والمسجد والجامعة ومناشط الثقافة ومختلف مناحي الحياة، حيث سطوة الصحوة الحركية وانتشارها وبروز رموزها، وما سطرته في هذا الكتاب ما هو إلا سرد تاريخي مرحلي لبداياتهم وعلاقاتهم، يستفيد منه الدارس والباحث والمحلل، والمناقش لشبههم.
لمحة عن الحراك الفكري العربي المعاصر: في نهايات القرن التاسع عشر أصبح الإسلام لدى عامة المسلمين مجرد تراث وعادات وتقاليد ترسخت خلال ثلاثة عشر قرنا. ونشأت في تلك الفترة الحركات العلمانية والقومية لدى الأتراك والعرب والهنود، وتحالف العرب ممثلين بوالي الحجاز العثماني (الشريف حسين) مع الغرب (إنجلترا، فرنسا، وروسيا) ضد الدولة العثمانية مقابل إقامة دولة عربية على أراضي العرب في الدولة العثمانية، وحدث ما حدث من نكث الغرب العهد وما حدث من اتفاقية (سايكس بيكو - سازانوف) وما تلاها من أحداث، والذي تضمن إعطاء قسم من فلسطين لليهود، فنظر العرب إلى ذلك بأنه غدر وحقد غربي استعماري من الغرب، لذلك برز العداء العربي للغرب، يغذيه الدين والتاريخ، في تلك المرحلة وتحديداً بعيد الحرب العالمية الأولى إلى بداية الخمسينيات من القرن التاسع عشر؛ ظهر في العالم العربي حركات سياسية وثقافية علمانية، وانقسمت النخب العربية إلى ثلاثة توجهات كبرى.
1- العلمانيون: وكانوا أقلية، وينظر إليهم باعتبارهم خونة عملاء للغرب المستعمر، وتمركز هؤلاء في العراق الهاشمي وسوريا ومصر. 2- القوميون: المعادون للغرب ويميلون للأيدولوجيا الشرقية الاشتراكية، أو للمعسكر الألماني النازي مثل الضابط القومي الشهير عزيز المصري، وكسبوا شعبية كبيرة لدى عموم النخب في البلاد العربية. 3- الشيوعيون: ولم يكن لهم ذلك القبول الكبير؛ كون الشيوعية ضد الدين بشكل مباشر. لم يكن هناك أحزاب أو حركات إسلامية سياسية، وهذا لا يعني عدم وجود قادة متدينين كالقسام وعمر المختار وآخرين، وكان لرجال الدين نفوذ لا بأس به، لكن لم يكن هناك مشروع أيدلوجي حاكم، بل الحالة أشبه بحالة خمول، لكن كان هناك شيء يتشكل، وضع بذرته الأولى جمال الدين الأفغاني، مما سنعرض له بشيء من الإيضاح في ثنايا هذا الكتاب، وحوله حسن البا من النظرية إلى التطبيق والحركية، حيث أسس عام 1928 م أول حزب يتبنى التفسير السياسي النفعي للإسلام، وله أيدلوجيته التي تهدف إلى الوصول إلى الحكم أولا، ثم تطبيق هذه الأيدلوجية.
وماذا عن السعودية:
المملكة العربية السعودية في بداية القرن الماضي كانت تتشكل في ثوبها الجديد بعد انتهاء الدولتين السعوديتين الأولى والثانية لأسباب ليس هنا محل بحثها وايضاحها، كانت الدولة السعودية الثالثة قوة ناشئة في المنطقة ذات جذور دينية وتاريخية وجغرافية وبشرية ضاربة في الأعماق، لذلك ما أن وجدت ذلك القائد الملهم والجنود الصادقين حتى نشأت دولة فتية على الفطرة لم يدنسها مستعمر ولم تلوثها أفكار غريبة عنها وعن تاريخها، والتف الناس من شتى أقطار الجزيرة ملبين نداء التوحيد والوحدة، ولكن السعودية كأي دولة أو مجتمع حي لا بد فيه من الحراك والتغير، وأبناؤها مثل غيرهم يتأثرون ويؤثرون، لا سيما بعد قيام الدولة وانتشار التعليم والاتصال مع الغير، ناهيك أن السعوديين كانوا على الفطرة والانبهار بالجديد، سواء أكان هذا الجديد فكراً أو منتجا ماديا، فكان لا بد أن يتأثر بعض أبنائها بما يدور حولهم من حراك فكري. وكما ذكرت آنفا فإنني خصصت الحديث عن جماعات التفسير السياسي للإسلام في السعودية، أو ما يسميها البعض (جماعات الإسلام السياسي) لمعرفتي الدقيقة بها، وكنت أفكر أن أعد موسوعة عنها تشمل رموزها وبعض إنتاجها وشيء من التفصيل عنها لا سيما أن المادة متوافرة لدي، ولكني عدلت عن ذلك في الوقت الراهن، لأن الهدف هو بيان فكر وإيضاح تاريخ مرحلة، وقد يكون ذكر الأسماء والرموز والأماكن غير مناسب موضوعيا، فكان هذا الكتاب الذي يشخص ما يسمى بمرحلة الصحوة – إن صح التعبير – ، وأعني الصحوة الحركية من حيث منطلقاتها الفكرية ونشأتها وواقعها. وقد قسمت الكتاب إلى فصلين رئيسين: الأول منهما حول المنطلق الفكري للصحوة، وهو التفسير السياسي للإسلام، معناه ونشأته وما يتعلق به، والفصل الثاني حول جماعات التفسير السياسي للإسلام في المملكة العربية السعودية التي تمثل عصب الصحوة، وتكوين هذه الجماعات ونشأتها، محاولاً الاختصار – ما أمكن – على ما يفيد القارئ الذي يريد التعرف على مرحلة مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية، وليكون هذا الكتاب مراجعة فكرية لمسار الفكر الإسلامي المعاصر، علنا نصحح المسار لبعض أبنائنا، ونضع أقدامهم على الطريق الصحيح والنهج القويم، ونستفيد من إيجابيات التاريخ ونعتبر من أخطائه، ولقد كانت معلومات هذا الكتاب حبيسة الأدراج لدي سنين عدداً، بالرغم من إلقاء محاضرات لطلابي في الجامعة والدراسات العليا حول هذا الموضوع منذ عام 140هـ – 1989م، وكتابة بعض المقالات في الصحف السعودية حوله كذلك منذ عام 1400هـ - 1979م، إلا أن ظروف المرحلة وما يقتضيه الواجب - انطلاقا من القاعدة الشرعية أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة-؛ ألزمتني بهذا الحديث المختصر، ولسان حالي يقول: أريد الصمت كي أحيا ولكن الذي ألقاه ينطقني».
وقد صدر للمؤلف عدة كتب منها: الإسلام والدستور، ومن أصول الدعوة، والتوحيد وأثره في تحقيق الأمن.