د.فوزية أبو خالد
1
أوقات وقضايا برحت
«تَنَطل» المرأة السعودية أمام المحاكم الشرعية»
«البقشة فقط من حق الزوجة»
«زواج القاصرات» ما دون الثامنة عشرة
«المرأة قاصر حتى تتزوج والزوجة تابع حتى تموت»
«النفقة ليست من حق الأم الحاضنة»
«الأطفال دروع للنزاع والحرب بين الأبوين المنفصلين»
«المرأة المطلقة آخر من يعلم بطلاقها»
«التوقيع وليس موافقة المرأة شرط إتمام عقد الزواج»
«الولي ينوب عن المرأة في حق اختيار الزوج»
«المرأة السعودية بلا هوية وطنية»
«ليس للمرأة الحق في استخراج هوية وطنية أو جواز سفر لها أو لأي من أبنائها»
«ليس للمرأة السعودية السفر ولو للعلم أو للعلاج إلا بالورقة الصفراء»..
هذه ليست إلا بعض عناوين لبحوث أو مقالات كانت تكتب قبل عقدين ونصف، وتتحول اليوم في هذه اللحظة من التحولات إلى ذاكرة التاريخ الجمعي القريب أو تحفظ في إضبارة ماضي المجتمع السعودي على أرفف المكتبات.
2
مستقبل ما برح في التحولات
لن تعرف حق المعرفة تلك الأجيال الجديدة التي ولدت ما بعد الألفية الثالثة بعقد أو عقدين القيمة القانونية والتشريعية العظيمة لصدور نظام مكتوب وموثق للأحوال الشخصية بالمجتمع السعودي، وذلك ببساطة لأن الأجيال الجديدة لم تعرف ولم تمر ولم تعش أياً من التجارب العصيبة التي مرت بها وعانتها أجيال عديدة جراء افتقاد المجتمع والقضاء السعودي لعقود طويلة لـ»عقد اجتماعي» محدد الأحكام في علاقاته الأسرية يحدد ما لكل طرف من أطراف العلاقة من حدود وواجبات تجاه الآخر.
كما أن هذا الجيل اليافع لن يعرف كم هو جيل محظوظ بأنه لم يضطر أن يدفع أي أثمان باهظة، ولا أن يدخل في أي سجالات موجعة من تلك التي خاضتها أجيال سابقة بهدف الحصول للعائلة السعودية وللمرأة في العائلة السعودية على ضمانات تنظيمية تمكنهم نساء ورجالاً من حياة كريمة وحقوق شرعية، تعرضت للتعطيل عبر حقب وآماد زمانية لم تأبه بإقرار الحقوق وتوثيقها والتمكين منها.
ولذا لا بد من مساررة الجيل الجديد وما يليه، بل لا بد من مشافهته بأنه يمشي اليوم على طريق معبدة بالخطوات آهلة بالأمل، بعد أن كانت الطريق وعرة موحشة بالكاد يبين فيها التماعة سراب أو بارقة أمل.
و»هذا لعمري» كما يقول الأقدمون إن كان مما يعلي همة طلائع المستقبل من الأجيال القائمة والقادمة، حيث تأتي في لحظة تاريخية تجاوزت بقرارات سياسية جريئة ما مضى من التعقيدات والصعوبات وما كان ليأخذ مئة سنة أخرى قبل حسمه بقدر من السلمية والسلاسة التي أقر بها الأمر، فإنه يضع على عاتق مختلف الأجيال، خاصة الشابة مسؤولية عظيمة.
ومن صلب تلك المسؤولية استشعار مسؤولية العمل على مواجهة تحدي التحولات بمزيد من المشاركة في الإنجازات، بحيث يستوعب المجتمع ويطور فهماً واقعياً لما يجري يسعى من خلاله إلى بلوغ وعي حقيقي مشارك بأن التوجه الجديد ماضٍ في التخفف من قيود الرعوية الريعية بمعناها القبلي والاقتصادي معاً، بما يخفف من سلوك التواكل على «الحكومة» ويلغي واحدة من أشهر مفردات التواكل في المحكي السعودي «الشيوخ أبخص».
فالقيادة الشابة المجددة لا بد أنها تطمح بأن تعمل بقوى شابة قادرة على تجاوز علاقات ومفاهيم ومصطلحات العمل بالمعنى التقليدي المتواكل من «المعزِبية» إلى «الخْوِيه» وما إليه من الجهاز المفاهيمي الذي كان سائداً أو على الأقل ظل مراوحاً فيما المجتمع والدولة يحتاجان في التحولات الجذرية إلى مزيد من المأسسة والتنظيم العصري لكيان المجتمع والدولة وعلاقتهما،
وهذا يعني فيما يعني أن أحد تحديات أجيال الشباب اليوم هو البحث المشترك دولة ومجتمعاً عن الحلول الابتكارية في مجال تعميق التحولات لتصب في الإصلاح القانوني والتشريعي والتنموي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً. بما يخلق حالة توازن عادل يوازي وينوع بين تلك الأساسيات وبين ما صب ويصب من دماء جديدة في مجالات السياحة والتوسع العمراني وتجديد البنى التحتية ورد الاعتبار للتنوع التراثي وللمهمل التاريخي والجغرافي من جبل النور وجبل رضوى غرباً إلى الرجاجيل ومدائن صالح شمالاً، ومن جبل طويق قلب اليمامة وسطاً إلى قلعة تاروت ومنجم الملح بالأحساء شرقاً، ومن قرى الجنوب المعلقة إلى أخاديد نجران، ومن طريق عين زبيدة إلى وحنيفة ووادي الرمة وسواها من المواقع الأثرية والجغرافية ذات الأهمية التاريخية.
فإذا كانت شرائح من الأجيال الشابة اليوم تساقط عليها التحولات رطباً جنياً في مساحات الفضاء العام بما كان أحلاماً محرمة من نشاطات الترفيه الخفيف إلى النشاطات الثقافية الجادة في المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل والنحت وفتح المكتبات، وإقامة معارض الكتب بأريحية لا تمنع الكتب، بجانب الفعاليات الرياضية من «مرثونات» المشي والركض العائلي إلى سباق السيارات العالمي، وعدد واسع من تلك الشريحة يبدو سعيداً ومشاركاً بحماس في هذا الجانب من التحولات، فإن على عاتق هذه الأجيال واجب الاجتهاد الجاد والمشاركة الفعالة، وعدم اعتبار أنفسهم مجرد متعيشين أو ضيوف شرف على ورشة التحولات والجهد المبذول فيها.
إننا حقا بحاجة إلى مثل هذا الموقف التفاعلي القادر على حفر عمق وإعطاء زخم لاستدامة التحولات، بما يجعل الحاضر امتداداً لمستقبل نراهن عليه محلياً خليجياً عربياً وإقليمياً وسط هذه التقلبات العالمية، وذلك بتعميق وحدة لحمتنا الوطنية، توسيع فضاءات الحريات الخلاقة، فتح أفق للعلاقات المنتجة والعدالة الاجتماعية، تأسيس مزيد من مساحات القانون والتشريع وباجتراح شراكات وطنية متعددة في وطن وطيد يتسع لكل الأجيال وكل الأطياف.
وأختم بتهنئة الأسرة السعودية ووطني على إنجاز نظام الأحوال الشخصية المنشود والمتقدم على الكثير من مدونات الأحوال الشخصية في الجوار العربي والإقليمي.