د. إبراهيم بن جلال فضلون
التنسيق والتشاور السياسي بين القيادتين لم ولن ينقطع بين دولتين عظيمتين لهما الأثر المباشر في قيادة المنطقة ودفة الأمور والقضايا الدولية، لأنهما ركائز الأمن العربي وحمايته التي بدأت منذ الأمد في السراء والضراء، وقد عمق ذلك أول لقاء بين جلالة الملك فاروق وجلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراهما... عام 1945م في مصر، حتى سطر الملك عبدالعزيز مقولته (لا غني للعرب عن مصر ولا غني لمصر عن العرب)، فوقفت المملكة مع شقيقتها مصر في 1956 وساعدتها بنحو 100 مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وساندت مصر في العدوان الثلاثي، وبعد انتهاء العدوان الثلاثي رأس الملك سلمان لجنة لجمع التبرعات لصالح أهالي السويس، باسم لجنة التبرع لمنكوبي السويس حين كان أميرًا لمنطقة الرياض، وبناء اتفاقية دفاع مشترك وقعت عام 1955 بين البلدين، ولا ننسى من المواقف التاريخية قرار الملك فيصل بن عبدالعزيز أثناء حرب أكتوبر بقطع إمدادات البترول لوقف العدوان على مصر.. امتدت لمواقف المملكة مع ثورة مصر ضد الإخوان المسلمين.
وقد شكل ذلك تطابق الرؤى بين الشعبين وديمومة العلاقة النابعة من القلب العربي تزينت بهذه الزيارة للرئيس المصري منذ أيام التي سبقها ما لا يقل عن 20 زيارة متبادلة بين الشقيقتين منذ 30 مايو 2019 حتى تلك الزيارة التي قوبلت بحفاوة الترحيب ومن صقور الجو السعودي مما يعني دور مصر المحوري.. في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، والرئيس عبدالفتاح السيسي.
تهدف اللقاءات دومًا إلى تبادل الرؤى ووجهات النظر حيال القضايا الإقليمية وتحدياتها ومجمل القضايا الدولية ومستجداتها، وهو ما نراه بين وزيري خارجية البلدين في إطار لجنة المتابعة والتشاور السياسي لترتيب البيت العربي ووقوفهم ضد تحديات التدخل الخارجي أيًا كان مصدرها؛ كونها تشكل تهديدًا لاستقلال الأراضي العربية وسيادتها، وتفكيكًا لوحدتها الوطنية.
وقد رأينا الصمود أمام الفكر المتطرف لتنظيم داعش ومحاربتهم الإرهاب كافة من دول تدعي حقوق الإنسان مما جعلها حائط صد منيع للمنطقة من شدائد جمة.. شكله القلب الصلب.
ومن هذا المنطلق تدعم الدولتان المبادرات السياسية والحلول السلمية لكل أزمات المنطقة؛ في سوريا واليمن وليبيا، وفقًا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الإقليمية والمرجعيات ذات الصلة؛ بما يحافظ على استقرار هذه الدول ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.
إذاً العلاقات المصرية – السعودية مثال عربي يحتذى في مجال العلاقات بين الدول في مجالات مختلفة؛ منها الاقتصادي والتجاري والصناعي والعسكري والتقني والطبي وحتى العلاقات الثقافية والدينية، حيث تم الاتفاق على نهج الفتوى واعتبار أن الاختلاف هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
وكذلك البُعدً الاستراتيجي حيث تعكس المؤشرات الاقتصادية ذلك بوضوح:
فمصر هي ثامن أكبر مستقبل للصادرات السعودية بإجمالي تبادل تجاري في السلع البترولية وغير البترولية تخطى 7.5 مليار دولار، فيما تأتي المملكة العربية السعودية كثاني أكبر مستثمر في مصر باستثمارات تجاوزت 6 مليارات دولار موزعة على نحو 500 مشروع.
والمملكة اليوم نوعت من اقتصادها بعيدا عن الذهب الأسود وفتحت أبوابها للفعاليات والسياحة وغيرها وفق رؤية 2030 .
وتعد مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية المشتركة بين البلدين مثالا ناجحا للتعاون، ففي أكتوبر 2021 وقعت مصر والسعودية عقود ترسية مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، بما يصل إلى 3 جيجاوات في أوقات الذروة، وهو ما يوفر إمدادات الطاقة لأكثر من 20 مليون شخص باستخدام أحدث التقنيات لضمان أقصى قدر من الكفاءة.
ووصل حجم التبادل التجاري 100 مليار دولار خلال الأعوام العشرة الماضية، وجاءت مصر في المرتبة الثانية بقائمة أكبر الدول التي تم إصدار رخص استثمارية لها بالمملكة العربية السعودية خلال عام 2020 بإجمالي 160 رخصة، وبلغ حجم الاستثمارات المصرية في السعودية نحو 1.4 مليار دولار بنهاية عام 2020.
التعاون بين مصر والسعودية يشهد زخما كبيرا على مختلف الأصعدة، لا سيما التعاون التجاري، الذي يزداد عاما بعد آخر، حيث تخطى إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2020 نحو 5.5 مليار دولار، وفي عام 2021 ارتفع الرقم ليسجل 7.5 مليار دولار.
وأخيراً: ستبقى العلاقات السعودية – المصرية متميزة وراسخة لأنها مستمدة من تاريخ طويل جمع البلدين والشعبين الشقيقين عبر سلسلة من الأحداث والوقائع يمكنها أن تحصن العلاقات من أي خلافات تشوبها أو تعترضها مستقبلا.