د.سالم الكتبي
في ظل تضارب الأنباء والغموض الحاصل حول مصير مفاوضات فيينا الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران ومجموعة «5+1»، هناك تساؤلات مشروعة تُطرح حول خيارات دول المنطقة، ولاسيما دول مجلس التعاون وإسرائيل، في ظل تقارب الرؤى تجاه التهديد الإيراني، سواء تم توقيع الاتفاق أم انتهت جولات التفاوض الماراثونية إلى الفشل والجمود.
الشواهد في مجملها تقول إن المعضلة لم تعد تنحصر في الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة على صيغة تفاهم لإحياء الاتفاق، حيث أكد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي أن النص النهائي المتعلق بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية «جاهز بشكل أساسي وعلى الطاولة» لكن هناك حاجة إلى وقفة في المحادثات بسبب «عوامل خارجية»، وهو المصطلح الذي بات متعارفاً عليه للإشارة إلى الشروط الروسية الخاصة بالحصول على ضمانات أمريكية لاستمرار التعاون مع إيران في المجالات كافة، ما يعني أنه تم التوصل إلى «تفاهمات» ولكنها بانتظار عبور حاجز الشروط الروسية الطارئة، التي تمثل صدمة غير متوقعة للإيرانيين، وابتزازاً سياسياً غير مشروع من وجهة النظر الغربية.
الأرجح أنه لا يمكن إنجاز الاتفاق النووي مع إيران بدون روسيا، وذلك لأسباب فنية وتقنية تخص الجوانب التنفيذية للاتفاق بالدرجة الأولى، وهذا الأمر يفتح باب التكهنات حول مصير الاتفاق، في ظل صعوبة القطع بتخلي موسكو عن شروطها، لاسيما أنها ربما تجد في إفشال «الصفقة» النووية مع إيران فرصة للإبقاء على توتر العلاقات بين طهران وواشنطن، بكل ما ينطوي عليه ذلك من عوائد محتملة على الجانب الروسي.
ورغم أن الجمهوريين في الولايات المتحدة يرون أن التوصل إلى اتفاق مع طهران «سيكون انتصاراً كبيراً» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن هذا «الانتصار» مرهون بشكل قسري بحصول موسكو على ضمانات أمريكية بعدم خضوع التبادلات التجارية والعسكرية مع إيران للعقوبات الأمريكية، وهذا أمر مستبعد تماماً. ولهذا فإنه من الصعب توقع إتمام صفقة إحياء الاتفاق في حال تمسكت روسيا بشروطها، وأصرت واشنطن على أن هذه الشروط «ليست ذات صلة» كما تقول.
السؤال الأكثر إثارة في هذه الظروف يتعلق بالتأثيرات الاستراتيجية المحتملة في حالة توقيع الاتفاق أو الإعلان عن فشل المفاوضات؛ وهنا يمكن القول إنه من الناحية الفعلية لا فوارق كبيرة بين الحالتين، أمنياً على الأقل لأن إيران قد وصلت إلى مراحل من تخصيب اليورانيوم، تجعل الفاصل الزمني بينها وبين امتلاك قدرات نووية تسليحية ضيقاً للغاية، حيث أصبح الأمر رهن القرار السياسي، بينما تظل السلوكيات والممارسات الإيرانية السلبية على حالها، بل يتوقع أن تزداد نتيجة زيادة المداخيل الإيرانية عقب رفع العقوبات.
أعتقد هنا أن حرب أوكرانيا قد تضاعف تمسك المفاوض الأمريكي بالتوصل إلى اتفاق مع إيران لأسباب واعتبارات عدة، بعضها خارجي يتعلق بمحاولة «تحييد» الدور الإيراني في الصراع المحتدم بين روسيا والغرب، فضلاً عن «تأجيل» التهديد النووي الإيراني لحين الانتهاء من معالجة أزمة أوكرانيا، وبعضها الآخر داخلي يتعلق بالتوصل إلى ما يمكن تسويقه للناخب الأمريكي، باعتباره «إنجازاً» للإدارة الديمقراطية الحالية قبل انتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل، شريطة ألا تستفيد روسيا من توقيع هذا الاتفاق بأي شكل، لاسيما في ظل رفض عدد كبير من نواب الكونجرس استمرار مفاوضات فيينا بمشاركة روسيا، ومطالبتهم للرئيس بايدن بالانسحاب من هذه المفاوضات، ما يعني أن إدارة بايدن باتت أمام معضلتين الأولى تتعلق بالتوصل إلى صيغة يمكن تسويقها داخلياً وخارجياً، والثانية تتعلق بضمان ألا تستغل روسيا الاتفاق في فتح كوة في جدار العقوبات الغربية المفروضة عليها.
بالنسبة لدول منطقة الخليج العربي وإسرائيل، وهي الأطراف الأكثر تماساً مع الملف النووي الإيراني، فإن الأمر لا يختلف كثيراً، باعتقادي، سواء تم التوصل إلى اتفاق من عدمه، بل إن ردود الفعل التي كانت مطروحة قبل اندلاع حرب أوكرانيا لم تعد ذات صلة في ظل الظروف الراهنة. على سبيل المثال لم يعد من السهل على إسرائيل -مثلاً- أن توجه ضربة استباقية بشكل منفرد للمنشآت النووية الإيرانية في الوقت الراهن تحديداً، ففي ظل انشغال الحليف التقليدي، الولايات المتحدة، وكذلك الدول الأوروبية، يصعب المجازفة بخوض مواجهة قد تتحول إلى حرب مفتوحة يصعب التكهن بنتائجها وتأثيرها في أمن إسرائيل بالنظر إلى شبكة الميلشيات الإرهابية التي ترعاها وتمولها طهران، بما يزيد الأوضاع الدولية تعقيداً، ناهيك عن استبعاد إمكانية حصول إسرائيل على ضوء أخضر أمريكي لاستهداف إيران في هذه الظروف الحساسة.
بالنسبة لدول مجلس التعاون، فالحال بالنسبة لعلاقاتها مع إيران لن يتغير سوى بحدوث تغير جوهري في قناعات طهران ورؤيتها الاستراتيجية لمصالحها، سواء في الاستقرار الإقليمي أو مع دول الجوار، وهذا الأمر لم يطرأ عليه جديد عدا بعض التصريحات المكررة وحوارات استكشافية لم تثمر عن تقدم إيجابي حتى الآن، علاوة على أن أي اتفاق لن يتضمن أي كبح للدور الإيراني الإقليمي.
أعتقد -وفي ظل حالة الارتباك الحاصلة دولياً والفوضى التي يشهدها النظام العالمي على خلفية حرب أوكرانيا- قد يكون من الضروري وجود تنسيق وتعاون إقليمي لا يستثني إسرائيل لمواجهة أي تصعيد أو تهديد أو أزمات مفاجئة، وهذا التعاون لن يكون موجهاً ضد طرف إقليمي، بل يمثل جدار حماية ضد أي تهديدات محتملة لأمن دول المنطقة.