تعد المذكرات الشخصية مصدرًا من مصادر كتابة التاريخ منذ ظهورها، على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين الباحثين بين مؤيد ومعارض لموثوقية محتواها، وحتى المؤيدين لذلك يوصون بضرورة التوخي والحذر عند الاعتماد على المذكرات الشخصية بوصفها مصدرا وفق مجموعة من القواعد لا يتسع المجال لذكرها.
أما نشأتها فجاءت كامتداد لكتابة السير الذاتية واليوميات، حيث يُذكر في الأدب الغربي أن القديس سانت أوغسطين (354 - 430م) أول من كتب سيرته الذاتية وتحدث فيها عن تأثير الدين في حياته الخاصة، ومن ثم تحول هذا النوع من الكتابة إلى فن أدبي مستقل على يد جان جاك روسو (1712 - 1778م) في كتابه: اعترافات.
وعلى صعيد التراث العربي عُرّف فن كتابة السيرة الذاتية بشكل غير مستقل كما يظهر في رسالة حنين ابن إسحق (809 - 819م)، والمنقذ من الضلال للغزالي (450 - 505هـ)، والتعريف بابن خلدون ورحلته شرقًا وغربًا، ولكن السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية لم تظهر لدى العرب كفن مستقل إلا في العصر الحديث.
تزخر المذكرات الشخصية بالحقائق التاريخية المتنوعة ما بين سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية، ويتم تدوينها بواسطة المشاهدة أو السماع، وقد يحوي بعضها صورًا ووثائق تزيد من أهميتها التي قد تكتب في بعض الأحيان بدافع شخصي بحت كما هو الحال في مذكرات الكاظمي إذ يقول عنها:» بدأت في هذه اليوميات منذ اشتغالي بمدرسة الأمراء، وبحكم اشتغالي بهذه الوظيفـة كان لزاماً علي التنقل من مكـة إلى الرياض. والتنقل من قطر إلى آخر، أو من إقليم إلى آخر هو الذي حفزني إلى تقييد وكتابة هذه اليوميات أملاً في أن أجد في هذه الأسفار والرحلات شيئاً يستحق الذكر، أو بعض تجارب جديرة بالتنويه عنها، أو مناظر جديدة أحب أن أحتفظ بذكرياتها، ولولا هذه لما فكرت في شيء كهذا». كما قال: «ماذا تفيدني هذه الكتابة؟ ومـا تفيد كـل من يقرؤها لو قدر أن أحداً يقرؤها؟ هـل يخرج منها بفائدة أو تفيده في ناحية من نواحي الحياة؟ إن كل من يقرؤها فهـو قائل - لا محال - إنهـا يوميات رجل بسيط يقرأ في الجرائد أو المجـلات كلمة (اليوميات) أو المذكـرات اليومية، فأراد أن يكـون هـو أيضاً كأولئك الذين يكتبون فيها، فيستفيدون بها ويفيدون ولكن هيهات هيهات!!».
مما سبق يتأكد القول ان الكاظمي كتب مذكراته بدافع شخصي، ورغبة في الكتابة ذاتها، وربما أنه أراد الاستفادة من وقت فراغه كونه يعمل في الرياض وأسرته مستقرة في مكة المكرمة.
فمن هو الكاظمي؟ وما مذكراته؟ وما أهم الموضوعات التي جاءت فيها؟
وُلِدَ الكاظمي في مكة المكرمة عام 1325هـ / 1907م وتلقى تعليمه فيها، وبعد تخرجه من المعهد العلمي السعودي عمل معلمًا في مكة المكرمة، والمدينة المنورة. كما شغل منصب مدير لأكثر من مدرسة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وانتقل بعد ذلك إلى الرياض ليصبح معلمًا في مدرسة الأمراء ومعاونًا لمديرها حتى وفاة الملك عبد العزيز. وبعد انضمام مدرسة الأمراء إلى مدرسة الأنجال بالرياض انتقل الكاظمي للعمل في وزارة المعارف، ثم تقلد منصب عميد كلية الشريعة بمكة المكرمة، ثم عاد مرة أخرى للعمل بوزارة المعارف، وانتقل منها للعمل بوزارة التعليم العالي فأصبح مستشاراً بمركز البحوث بكلية الشريعة بمكة المكرمة، ثم شغل وظيفة مستشار لفرع جامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة - جامعة أم القرى حاليًا - وللكاظمي اهتمامات ثقافية وبحثية، فقد كتب في صحيفة أم القرى، وصوت الحجاز، وغيرهما، وله مؤلفات عدة منها: كتاب آل سعود. وكان له مكتبة أهدتها أسرته إلى جامعة أم القرى. توفي الكاظمي عام 1413هـ / 1983م.
أما مذكرات الكاظمي اليومية، فتقع في حوالي أربعين مجلدا، وقد قامت عائلته بإهداء أصولها الخطية إلى دارة الملك عبد العزيز التي نشرت جزءا منها تحت عنوان: يوميات الرياض: من مذكرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، ونُشرت المذكرات ضمن إصدارات دارة الملك عبد العزيز التي صدرت بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1419هـ / 1999م، وتقع هذه اليوميات في جزء واحد في قرابة 200 صفحة، وتغطي اليوميات عامي 1356 - 1357هـ / 1937 - 1938م.
كما أعادت دارة الملك عبد العزيز نشر المذكرات مرة أخرى تحت عنوان: مذكرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي، وتقع المذكرات في جزئين في قرابة 1000 صفحة، ضمت إليها ما نشرته في اليوميات، وأضافت إليها سنين عديدة امتدت حتى عام 1401هـ / 1981م، وجاءت مزودة بملاحق الصور والأشكال والوثائق، فضلاً عن نماذج من أصل المذكرات.
الجدير بالذكر أن الكاظمي نفسه قد نشر جزءا من مذكراته في حياته بمجلة المنهل في أعداد متفرقة تبدأ من عام 1376هـ / 1957م وتنتهي عام 1392هـ / 1972م، ومذكراته في مجلة المنهل تؤرخ لأحداث تبدأ من عام 1334هـ / 1916م، ثم جمع أيضاً جزء من هذه المذكرات ونشرها في كتيب بعنوان: ذكريات عام 1397هـ / 1977م صدر عن نادي الطائف الأدبي، وتبدأ المذكرات في هذا الكتيب من نفس العام الذي شكل انطلاقة التأريخ في مذكرات المنهل - 1334هـ / 1916م - وتنتهي بعام 1361هـ / 1941م.
وبالمقارنة بين بعض أجزاء مذكرات الكاظمي المنشورة في مجلة المنهل يلاحظ أنه كان يختصر بعض الشيء، ففي أول لقاء له ولمعلمي مدرسة الأمراء بالملك عبد العزيز في الرياض عام 1356هـ / 1937م ذكره في مجلة المنهل بشكل مختصر، وذكر الحدث نفسه في يومياته بشكل أكثر تفصيلاً. ويمكن القول من خلال هذا النموذج أن الكاظمي ربما كان يكتب مذكراته بشكل مفصل في أوراق خاصة ينقل منها بتغيير الصياغة لتكون مناسبة للنشر كمقال، ولا يمكن القول ان العكس صحيح؛ لأن الكاظمي كتب مذكراته غالبًا بشكل يومي وخاصة النموذج المذكور.
وعلى الرغم من الاختلافات البسيطة بين مذكرات الكاظمي بأشكالها الثلاثة إلا أنها تعد من المصادر المهمة للمدة الزمنية الممتدة بين عامي 1356 - 1401هـ / 1937 - 1981م؛ إذ ترصد عهود ملوك المملكة العربية السعودية بدءًا بالملك عبد العزيز ومن ثم أبنائه الملوك من بعده: سعود، فيصل، خالد. وهي بذلك تؤرخ لتلك العهود.
اتسمت الموضوعات الواردة في مذكرات الكاظمي بالتنوع، فجاءت ما بين تعليمية، وثقافية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وجغرافية، وعمرانية. ومن أهم الموضوعات التي يمكن استعراضها بشكل أكثر تفصيلاً شخصية الملك عبد العزيز التي صورها الكاظمي في مذكراته بشكل متفرق، فكان من الممتع جمع أجزائها لتكتمل الصورة، ومن ثم يتأمل صفات صاحبها القارئ في قادم السطور.
يلحظ القارئ في مذكرات الكاظمي بذل الملك عبد العزيز الخيري، وإنسانيته، وحبه للتنزه مع عدم التفريط بمسؤوليات الحكم.
حرص الملك على تقديم الصدقات للفقراء بمنحهم الأموال في حله وترحال وفي مواسم متفرقة وخاصة في رمضان حيث يكثر السائلون والفقراء في الرياض وما حولها، وقد خصص الملك ثلاث هيئات تتولى أمر توزيع صدقاته، الأولى: للبادية، والثانية: للحاضرة والأسر المعروفة منها، والثالثة: لعموم الفقراء وخاصة الذين يجوبون طرقات الرياض ليلاً ونهارًا، وفي غير مرة أمر الملك بجعل توزيع الصدقات أكثر تنظيمًا، فخصص يوم للنساء ويوم للرجال في مكان بالقرب من قصر المربع، فإذا اجتمعوا داخله تغلق أبوابه ويخرج المتواجدون فيه تباعًا بعد أن يأخذوا نصيبهم من الريالات - ما بين نصف ريال إلى ريالين - وصلت أعداد المنتفعين من صدقات الملك إلى الآلاف، كما كان الملك عبد العزيز أثناء خروجه من الرياض أو دخوله إليها تسير وراءه سيارات تحمل الأموال لتوزيعها على الفقراء الذين يصطفون على جوانب الطرقات من النساء والأطفال والرجال البادية منهم والحاضرة، وكان الملك يحمل بعض الريالات في سيارته ويأمر سائقه بتوزيعها عليهم. كما اعتاد الملك على بعث الصدقات للفقراء والمحتاجين في القرى المحيطة بالرياض، وهي عبارة عن: أرز وتمور وأموال وكانت تحمل بواسطة السيارات، وكان يؤمر عليها أمير أو أحد المشايخ. وكان للملك عادة سنوية تتمثل في إرسال الصدقات السنوية إلى بلدان نجد والحجاز تقدر بمئات الألوف ويقابلها مستحقيها بالدعاء للملك بالخير.
جمعت شخصية الملك عبد العزيز بين الشدة والرحمة والتسامح، فعندما خالف الصيدلي الخاص به أمره في نوع العلاج الذي يصرفه لابنه الأمير سعود غضب عليه وأمره أن يرجع من رماح إلى الرياض مشيًا على الأقدام، امتثل الصيدلي للأمر وفي الوقت ذاته كان الملك يرقب الصيدلي من خلال المنظار وعندما ابتعد قليلاً أرسل إليه خادمًا حتى يُرجعه ففعل.
كما اتسمت شخصيته بالعفو عند المقدرة، فعندما وقع حادث سير من أحد موظفي المعارف واصطدم برجل، بعدها قام الموظف بتسليم نفسه إلى الشرطة، ووصل خبر الحادثة إلى الملك عبد العزيز ومن الأمور التي استفسر الملك عنها من مدير الشرطة أين السائق؟ فرد المدير بأنه لديهم وأنه قد سلم نفسه، فما كان من الملك عبد العزيز إلا أن عفا عنه كونه سلم نفسه، بل وتكفل الملك بدفع العوض المالي للرجل المصدوم بعد تحويل الحادثة إلى القضاء.
أدار الملك عبد العزيز حوارات مجلسه، وكان ينوع في موضوعات حديثه بين دينية وعلمية وسياسية، وكان الملك يوزع انتباهه واهتمامه للحضور في مجلسه، فلم يكن ليقطع حديث أحدهم بسبب قدوم الآخر من أجل الترحيب به فضلاً عن الاستماع لحديثه، وكانت القراءة حاضرة في مجلسه في الحل والترحال، وكان قارئ الملك عبد الرحمن القويز (توفي: 1395هـ / 1975م) يقرأ على الملك في كل ليلة من كتب التاريخ والفلسفة مثل: مقدمة ابن خلدون، وكان يقرأ في المجلس الواحد كتابين من كل كتاب قسطًا يسيرًا، وكثيرًا ما كان الملك يطلب من مدير مدرسة الأمراء الشيخ عبد الله خياط (توفي: 1415هـ / 1995م) أن يتلو القرآن الكريم ويطيل في تلاوته، وكان مجلس الملك يعقد في حله بعد صلاة العشاء ويتغير الوقت إذا كان الملك مرتحلاً في نزهة وغيرها.
إن من أهم الأشياء التي تمثل شغفًا لدى الملك عبد العزيز حبه للخروج للتنزه والقنص سواء في رحلات قصيرة أو طويلة تبدأ من بضعة أيام إلى أيام معدودة أو أكثر، وفي أيام خروج الملك كانت أعمال ملكه تنتقل معه وتعرض عليه المعاملات الرسمية والبرقيات الواردة عليه كما هي عادته عندما يكون في الرياض، كما كان يخصص مكانا للاسلكي في مخيماته من أجل أن يتواصل بواسطتهما مع الرياض ومكة المكرمة؛ لمتابعة أعمال الحكم.
ارتبط الملك عبد العزيز بأولاده ارتباطًا وثيقًا، فكان الأب الحنون، الحازم، المحفز، الحريص على أمر دينهم ودنياهم.
كان الملك عبد العزيز يجمع أبناءه الكبار والصغار، وينصحهم على الدوام بشأن اجتناب المعاصي والمحافظة على الصلاة وأدائها في أوقاتها مع الجماعة في المساجد التي تكون قريبة من قصورهم، ويأخذ منهم العهود والمواثيق على ذلك، ووضع عليهم الأمير سعود مراقبًا، كما كلف في كل مسجد من يلاحظ حضور أبنائه ويبلغ الملك حال تغيب أحدهم، وكان يغضب في حال تأخر أحدهم عن الصلاة ويعاقبه، فلما تأخر أحدهم عاقبه بأن يمشي من المربع حتى يدخل الرياض ويصل قصر المصمك، ثم أمر بحبسه في القصر يومًا وليلة، ورفض الملك قبول شفاعة كبار عائلته من أجل إخراجه. ولم يكتفِ الملك عبد العزيز بحث أبنائه على الصلاة بل كان يطبق ما يدعوهم إليه بمحافظته على أداء الصلاة مهما كان منشغلاً، فبعد انتهاء إحدى مناسبات الاحتفالات بختم القرآن من لدن أبناء الملك عبد العزيز أم الملك المصلين وكان أبناؤه ضمن المأمومين.
حث الملك أبناءه وبناته على الصدقة، فكان يصرف لهم في رمضان مبالغ تقدر بالألوف من أجل توزيعها على من يعرفوا من الفقراء، كما كان يقيم مأدبة سنوية ويدعو إليها جميع أولاده، فخصص يومًا للبنين صغارًا وكبارًا، ويومًا آخرًا للبنات.
اختار الملك عبد العزيز الدروس التي كان يحبذ أن يتعلمها أبناؤه، ففي درس المطالعة حدد لهم سيرة ابن هشام كأحد موضوعات الدرس. كما كان يتابع مدى تقدمهم في الدراسة عبر تقارير أسبوعية يرفعها مدير المدرسة (عبد الله خياط) إليه ويتأكد من صحتها، إلى جانب التقرير السنوي، وكان الملك يشكر المعلمين على مجهوداتهم. ويحثهم على استعمال اللين مع أبنائه، إلى جانب الشدة، وتخويفهم بوالدهم - الملك عبد العزيز - .
كان الملك عبد العزيز حازمًا فيما يخص طريقة تأديب أولاده وتحفيزهم للتعليم من خلال التلويح بالعقاب في حال وقع غير المأمول، ففي إحدى زياراته للمدرسة كان يسأل الشيخ عبد الله خياط عمن يتأخر من أبنائه، وأن الذي سوف يتأخر مستقبلاً سيكون عقابه الحرمان من كل ما عنده من الرجال والخيل والسيارات، بالإضافة إلى الحبس، وأقسم على ذلك بالله. وفي الوقت ذاته كان يحفزهم إلى طلب العلم، ففي زيارة أخرى لاحظ الملك أن أحد أبنائه يحاول أن يخفي بقعة الحبر التي في ثوبه عن ناظري والده الملك، فالتفت إليه وقال:» لا تخفها هذا عطر المتعلمين وطلبة العلم».
حرص الملك عبد العزيز على متابعة تقدم أولاده في التعليم، فكان يطلع على نماذج مكتوبة من خطوط أبنائه الطلاب. وكان يكافئ خاتم القرآن الكريم منهم بمبلغ 50 ريالاً وكسوة وهي عبارة عن مشلح متين ودقلة وشال، وتقام على شرفه العرضة بهذه المناسبة، وفي صباح يوم العرضة يدعى المعلمون وإخوة الأمير الخاتم إلى الطعام، وكان الملك يحضر هذه المائدة ويشرف عليها، وبعد الانتهاء من الطعام يخرج الجميع برفقة الملك إلى الساحة الواقعة أمام القصر وتبدأ العرضة وكثيرًا ما كان الملك يشارك أبناؤه في العرضة تعبيرًا عن فرحته بإنجازهم، فيزداد حماس أهل العرضة وترتفع الأدعية بطول بقائه، وبعدما تنتهي العرضة يخرج الأمراء إلى المعذر، وتنصب لهم الخيام كنوع من الراحة والاستجمام، وكان الملك عبد العزيز يحضر إليهم قبل العصر ويعرض أمامه الأمراء الصغار إلى ما قبل المغرب، ثم تمتد مائدة العشاء ويتناول الحاضرون الطعام وعلى رأسهم الملك عبد العزيز، وبعدها يعودون إلى الرياض البلدة.
اهتم الملك عبد العزيز بترفيه أبنائه، فعندما رأى بعض أنجاله الصغار يرتدون البذل العسكرية لم يمانع بل جعلها كألعوبة لهم وقت اللعب مما شجع المزيد من الأمراء على تجربة تلك اللعبة وهم يحملون بنادق اللعب ويؤدون بعض الحركات العسكرية، وفي أحد رحلات تخييم الملك في رماح كان الأمراء الصغار يلبسون البذل ويمرون أمام خيمة الملك وخيام الأمراء وهم يضربون الطبول. كما اعتاد الملك الخروج في كل جمعة إلى ميدان سباق الخيل بالقرب من جبل أبي مخروق وبرفقته بعض الأمراء وبمشاركة بعضهم فيه. كما اعتاد أن يصحبهم في رحلاته وتنزهه، ففي إحدى رحلاته إلى رماح كانت العرضة تقام أمام الملك كل ليلة أو ليلتين ويشارك فيها الأمراء، كما أن الأمراء الصغار يلعبون في خيامهم الخاصة برفقة خدمهم.
حرص الملك عبد العزيز على تنمية العلاقة الأخوية بين أبنائه، فكان يفحص خطب أنجاله الصغار تمهيدًا لإقرار المناسب منها حتى تلقى على مسامع ولي العهد الأمير سعود بعد وصوله إلى الرياض عائدًا من السفر، وبالفعل زار الأمير سعود مدرسة الأمراء واستمع إلى الخطب، كما أن الأنجال شاركوا في الاحتفاء المقام من أجل عودة الأمير سعود من خلال سباق الخيل والعرضة التي أقيمت خارج بلدة الرياض، وذلك بمشاركة الأهالي من الرجال والنساء والأطفال مع العلم أن الدكاكين والأسواق كانت مغلقة كما هو الحال في يوم العيد.
اتسمت العلاقة بين الملك عبد العزيز ومعلمي مدرسة الأمراء بالود والتقدير والاحترام المتبادل، ومما يذكر في هذا الجانب أن مدير مدرسة الأمراء (عبد الله خياط) عندما رزق بمولود سماه عبد العزيز على الملك الذي قدم له عوض البشارة. كما حرص المعلمون على تقديم التعازي للملك عبد العزيز في وفاة إحدى زوجاته.
قدم الملك عبد العزيز الدعم المعنوي لمعلمي المدرسة في صور عدة، فسهّل طريقة التواصل بينه وبينهم، فإما أن يقدموا له خطابًا يشرحوا فيه مرادهم، أو أن يأخذوا موعدًا لمقابلته، أو أن يكتبوا للملك ورقة من أجل حضوره الشخصي للمدرسة وخاصة إذا كان الطلب من مدير المدرسة (عبد الله خياط).
وقابل الملك عبد العزيز أعمال المعلمين في المدرسة بالشكر والتقدير، فعندما ختم ابنه الأمير عبد الرحمن القرآن الكريم، أرسل لهم الملك عن طريق ديوانه خطاب شكر رسمي على جهودهم.
كان حضور معلمي مدرسة الأمراء إلى مجالس الملك عبد العزيز بشكل متكرر وشبه يومي في حله وترحاله، وكثيرًا ما كان الملك عبد العزيز يدني المعلمين منه في مجلسه ويستمع لهم ويحاورهم. ويمازحهم كما وقع في إحدى رحلاته إلى رماح، فبعد أن هدأت العاصفة الرملية قال الملك عبد العزيز للشيخ عبد الله خياط: إننا في سفر وقصرنا الصلاة ومن المستحسن أيضاً قصر الدروس من ستة إلى أربعة، فامتثل الشيخ إلى طلب الملك.
كما قدم الملك عبد العزيز للمعلمين الدعم المالي بأشكال مختلفة من خلال توفير المسكن المناسب لهم، وتعهد بدفع قيمة إيجاره عندما كانوا في مجلسه قائلاً:» ابحثوا عن دار تناسبكم وعلينا أن نستأجره لكم». كما قدم الملك الكسوة للمعلمين في أوقات متفرقة من العام، في الصيف والشتاء والعيد، وقدم لهم المشالح وأمر بإيصالها لهم في دارهم في بعض الأوقات. وقدم لهم الهدايا بدون مناسبة، فذات مرة قدم لهم ساعات يد بعثها إليهم في دارهم مع ابنه الأمير مشعل، كما كان الملك عبد العزيز يرسل بأسماء أبنائه الخاتمين للقرآن الكريم كسوة وشرهة للمعلمين؛ كنوع من الشكر والتقدير للمعلمين على جهودهم.
كان الملك عبد العزيز يفتح أبواب قصره لأفراد شعبه ويستقبلهم للسلام عليه في أوقات متفرقة كعودته من خارج الرياض حينما يكون في نزهة أو سفر، كما كان أبناء البادية يفدون للسلام عليه أثناء تواجده في قصره، وكان الملك يستقبل أفراد شعبه من البادية والحاضرة الوافدين عليه في أماكن تنزهه، ويستمع إليهم وينظر في مطالبهم ويغدق عليهم بالعطايا، وكذلك كان الملك يصحب أبنائه عند حضور صلاة العيد وخطبتها وبعد الفراغ من الصلاة يتوجه الجميع وعلى رأسهم الملك إلى قصره ويجتمعوا على موائد الطعام، وفي اليوم الثاني أو الثالث من العيد كان تقام العرضة احتفالاً بالعيد، وقد شارك فيها الملك عبد العزيز محتفلاً إلى جانب شعبه، كما كان الملك يجلب الكسا من سوريا حتى يوزعها على الناس بمناسبة العيد، وكان من عادة في أيام العيد أن يخصص اليوم الثاني منها لزيارة العلماء ولمشايخ. ومما يتصل بعلاقة الملك عبد العزيز مع العلماء أنه خصص لهم مجلس أسبوعي يعقد في كل خميس - ثم أصبح يعقد في كل سبت - ويجتمع بهم، وكان ممن يحضر هذا المجلس شيوخ القبائل وكبار الضيوف.
وهكذا يتضح أن عظمة الشخصية في بساطتها وقربها من الناس كما هو الحال في شخصية الملك عبد العزيز الذي ترك أسسًا متينة في العلاقة الأبوية بين الملك وأبنائه، وقد تجلى بعضًا منها في علاقة الملك مع أفراد شعبه على اختلاف مكانتهم، فكان لهم الأب والموجه قبل أن يكون ملكًا عليهم الأمر الذي جعلهم ينضوون تحت حكمه بانتماء وولاء.
** **
- مرام بنت عبدالإله بن هويدي