إذا كتبت عن وطنك فأنت إنسان، وإذا غمغمت برجزه فأنت أديب، وما زال السعودي الأصيل يسهر على ليلاه، فهو محب لوطنه، يبادلها عشقا بعشق، وهياما بهيام، وشوقا وغزلا وصبابة، فهو مستهيم به قولا ومقاما، مستأنس به قلبا وقالبا، يطربه في قلة أو كثرة، ولا يغفل عنه من قريب أو بعيد. يقول ابن الرومي الشاعر العباسي في الزمن الذي سبقنا بقرون مديدة، حيث تألق ذوقه في قصده وقصيده، وبات شعره سيمفونية يعزف بها على أوتار التاريخ، فغدا كالمثل الشرود، والحكمة السائرة، قال وقد عصف به الحنين، وطالته يد النوى، واكتوى بألم الغربة فأبدع وبرز واعتلى وجاء بشعر غد في الشوارد، حين يقول:
ولي وطن آليت ألا أبيعه
وألا أرى غير له الدهر مالكا
عهدت به شرح الشباب ونعمة
كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد إن بان غودر هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم
عهود الصبا فحنوا لذلكا
وقبل برهة غير مديدة، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أعز الله مجد الدولة السعودية وسؤددها، بطويل عمره - آمين، أصدر - حفظه الله- قرارا ساميا بتحديد موعد 22 فبراير من سنة 2022م - 1443هـ موعدا سنويا ثابتا تحت مسمى «يوم التأسيس السعودي»، وهو مناسبة سعيدة رسمية جديدة تحتفي بذكرى تأسيس الدولة السعودية للمرة الأولى على يد الإمام محمد بن سعود وعاصمتها الدرعية العامرة عام 1727هـ، والفرق بين يوم التأسيس واليوم الوطني هو أن يوم التأسيس ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، بينما اليوم الوطني الموافق لـ 23 سبتمبر لعام 1932م هو ذكرى توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله أثره وثراه- وهذه الذكريات العطرة هي نتاج قادة الدولة السعودية العباقرة الأسطوريين بدءا بالوالد الملك عبدالعزيز وانتهاء بالابن جلالة الملك المفدى سلمان بن عبدالعزيز - أمد الله في عمره - آمين.
يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتابه التحفة الندرة وحي القلم ما فحواه:
(... والعادات وحدها هي التي تجعل الوطن شيئا نفسيا حقيقيا حتى ليشعر الإنسان لأرضه أمومة الأم التي ولدت ولقومه أبوة الأب الذي جاء به إلى الحياة، وليس يعرف هذا إلا من اغترب عن وطنه، وخالط غير قومه، واستوحش من غير عاداته، فهناك يثبت الوطن نفسه بعظمة وجبروت كأنه وحده هو الدنيا ...).
ويقول الحسن البصري: خير البلاد ما حملك، وسئل محمود درويش: ما هو الوطن؟ فقال: هو الشوق للموت من أجل أن تعيد الحق والأرض، وليس الوطن أرضا ولكنه الأرض والحق معا.
تعرف ما هو الوطن؟ ليس سؤالا تجيب عليه وتمضي إنه حياتك وقضيتك معا.
ويقول الرافعي في حب الوطن:
ولا خير فيمن لا يحب بلاده
ولا في حليف الحب إن لم يتيم
ومن تؤوه دار فيجحد فضلها
يكن حيوانا فوقه كل أعجم
ألم تر أن الطير إن جاء عشه
فآواه في أكنافه يترنم
وليس من الأوطان من لم يكن لها
فداء وإن أمسى إليهن ينتمي
ولا خير فيمن إن أحب دياره
أقام ليبكي فوق ربع مهدم
وما يرفع الأوطان إلا رجالها
وهل يرتقي الناس إلا بسلم
وكما أبدع أمير الشعراء أحمد شوقي في أشعاره، وأهازيجه، وأراجيزه، تألق في أندلسياته الأربع، أندلسياته التي لذعه الحنين إلى مصر وهو في منفاه في إسبانيا، حيث تدفق بخيال مجنح، وعاطفة جياشة، وموهبة شعرية وقادة، وبديهة سيالة، فقال معارضة البحتري:
اختلاف الليل والنهار ينسي
أذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وطنك:
هو ملجأك حين لا يكون هناك الملاذ، ودفئك حينما يقشعر إهابك من صرير البرد، وطنك هو ظلك، أمنك وأمانك، والكرام تحن لأوطانها حنين الطيور لأوكارها، وتعتز بأوطانها اعتزاز الصقور بتحليقها، وطنك هو بحرك الذي شربت مائه عسلا حلوا رحيقة، يقول فولتير (الخبز في الوطن خير من بسكويت الأجنبي).
هو مد بصرك، وامتداد بصيرتك، هو ترياق نفسك، وشجرة تضحياتك، وعروق جبينك، وقسمات ضحكة طفلك، وفيض دعاء والديك، وتيار الدم الذي يضخ في عروقك.
في مغرب بات الفؤاد معلقا
والقلب أنشد في هوى عمان
ودموع حبي للعراق فقد بدت
شعراً وشوقي للخليج دعاني
وجزائر الأحباب أي جزائر
هي عالمي هي منزلي ومكاني
وأقول:
إني قد جننت من الهوى
في حبها قمري ونجم زماني
يا موطني حبي وكل مودتي
أهديك من قلبي ومن وجداني
من لي ليمسح عن خدودي دمعتي
إذا ما بكيت الحب للأوطان
وا غزتاه يا حبيبة عاشق
قد ذاب في بحر الهوى وجداني
تتوقعي مني بأن أنسى الهوى
بعد المحبة أم يموت كياني
أشتاق يوما أن أموت بحضنها
قمراً أضيء بمنيتي أكواني
هذا ويحكي يوم تأسيس المملكة العربية السعودية مفاخر وأمجاد السعوديين على امتداد ثلاثة قرون متتالية في تشييد صرحهم السعودي العظيم، وفي هذا اليوم يدلي القلب بدلوه، وينضح الإناء بما فيه، متضمنا أجمل الإشارات وأبلغ الكلمات.
في هذا اليوم شموخ وعزة، وكرامة وإباء، وأمن وأمان وسكينة وطمأنينة، حيث يرفلون في دعة من الحياة، ورغد من العيش فيستقبلون يوم تأسيس حاضرتهم، ويوم بدايتها استقبال الزهر للربيع، على رغم ما يمر بالعالم الآن وما مر به من ملمات وأعاصير ونكسات وحروب.
كل عام والدولة السعودية والشعب السعودي بخير ونعمة ورخاء، فهم حصن المسلمين الحصين، ودرعهم الواقي الأمين.
أيها الوطن التليد ما أحبك إلى نفسي، وأجلك في قلبي، وأسماك في خاطري.
درجت على أرضك، وظلتني سماءك، وتعللت صبا نسيمك، ترابك ندي طيب، وسح سحابك عذب نقي متفجر، فالقرب منك كرامة، والبعد عنك عقوق وعقوبة، أنت العزيز ولو جرت، والكريم وإن ظننت، تتراقص أمامك العبارات ولا تفيك الكلمات.
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
عنوان التواصل:
hanan.alsaif@hotmail.com