عمر إبراهيم الرشيد
أصبحت الحرب الروسية على أوكرانيا شغل العالم هذه الأيام، ومعها عاد تسليط الأضواء على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أعجبني تحليل متبادل بين الإعلامي مشعل النامي والمتخصص في الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب عن شخصية بوتين من الناحية النفسية، حيث ذكر في حواره مع النامي أن الرئيس بوتين جامد الملامح ويصعب قراءة لغة جسده أو معرفة حقيقة مشاعره، وهذه من طبيعة المجتمع الروسي بشكل عام، إنما لدى بوتين هذا الذكاء أو قل الدهاء بحيث يصعب قراءة ما يدور في عقلية هذا الرجل وما يزمع على اتخاذه من قرارات. وقد شاهد العالم قبل سنوات عدة وبوتين يمارس رياضة الجودو مع مواطن روسي ويبرع فيها، كما يمارس رياضة الصيد على ظهر الحصان إلى جانب هواياته الرياضية والمهارية الأخرى. ولعله بهذا الظهور غير المصطنع وإن كان مقصوداً، جسد الشخصية القيادية وكاريزما الرئيس التي يحترمها ويهابها الروس بشكل خاص والمجتمع البشري بشكل عام. فالمظهر القوي للشخصية القيادية بشقيه النفسي والبدني من ركائز القوة السياسية للقائد.
بالطبع لا ينسى التاريخ الدور الروسي في حماية نظام الأسد في سوريا على اثر انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وهو ما مهد لدخول روسيا بقيادة بوتين إلى المنطقة واستعادة نفوذها في سوريا تحديداً. وان كان قد تسرب اثر الخلاف الروسي الغربي حاليا على خلفية الحرب على أوكرانيا، تسرب أن الولايات المتحدة هي من أوعزت لروسيا بالدخول إلى سوريا لحماية نظام الأسد من السقوط لأنه حاجز بين اسرائيل والقوى المعادية لها في المنطقة، وليس بين نظام الأسد وإسرائيل حرب أو عداء. يظل هذا تسريب لا نعلم حقيقته فالسياسة بحر عميق الغور، ولأجهزة الاستخبارات المختلفة أفاعيل يعجز العقل عن تصديق دخول بعضها في تفاصيل تبدو تافهة للبعض، وقد يكون هذا التسريب صحيحاً، وقد يكون للتقليل من بروز القوة الروسية واستعادتها هيبتها القديمة والله تعالى أعلم.
أعود إلى المجتمع الروسي وطابعه المتفرد عن الغرب وان كان لديه خليط شرقي اثر تداخله مع شعوب أواسط آسيا وشرقها عبر التاريخ. وهناك من المؤرخين من يقول بأن الروس ذوو أصول جرمانية من شمال اوروبا، بينما يقول آخرون بأنهم شعب آسيوي موطنه منطقة أوكرانيا الحالية، ولعل هذا ما يفسر أحد دوافع الغزو الروسي لاوكرانيا حاليا وان كان خفياً. ولا يخفى التاريخ الثقافي والأدبي الروسي وتأثيره على باقي الآداب العالمية، فمن ليو تولستوي الذي كتب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مادحاً ومبجلاً، إلى بوشكين شاعر روسيا الأشهر الذي نظم كذلك قصائد في مدح شخصية الرسول الكريم. وأنطوان تشيكوف الطبيب والروائي ذو النزعة الرومانتيكية الانسانية، ثم دوستويفسكي صاحب (الجريمة والعقاب) وغيرها من الروايات التي عني فيها بتحليل نوازع النفس البشرية. ولعلكم تلحظون بأن غالبية المحللين السياسيين الروس يتحدثون العربية بطلاقة، كما هو شأن كثير من منسوبي السلك الدبلوماسي والأكاديمي الروسي، ومع ذلك فروسيا ليست شرقية صرفة ولا غربية كذلك، انها تشبه نفسها.. إلى اللقاء.